المسلمين يعملون بالأحكام من غير أنْ يعرفوا الأدلةَ الخاصّةَ عليها.

ومن منكري التقليد مَن منع التقليدَ بمعنى: التزام مذهب إمامٍ معيَّنٍ من غير بحثٍ عن حجّته، وأجاز للعاميّ تقليدَ مَن شاء.

والفرقُ بين هذا المذهب ومذهب الجمهور: أنه يمنعُ التَمَذْهُبَ بمذهبِ إمامٍ معيَّنٍ، ولا يمنعُ أصلَ التقليدِ، والجمهورُ يُجيزون التمذْهُبَ ويعدُّونَه فرعاً عن جواز التقليد.

وحجتهم على جواز التمذهب: أنه إذا جازَ لغير المجتهد تقليدُ مَن شاء من العلماء جاز له أنْ يختارَ منهم واحداً فيقلِّدَه دونَ غيره، لثقته في علمه وعدالته وورعه.

والمانع من التمذهب يحتجُّ بأنه لم يكنْ معروفاً في صدر الإسلام. وأنه يؤدِّي إلى التعصُّب وتركِ الحق.

ويُجابُ بأن عدمَ اشتهارِه في صدر الإسلام يُمكن منُعه، ولا يستطيعُ مدّعيه أنْ يُقيمَ الدلالةَ على عدم وجود التزام بعض العوامّ بسؤالِ واحدٍ بعينه من المفتين.

ولو سُلِّمَ، فإن عدمَ اشتهارِه في الصدر الأول لا يدلُّ على تحريمه. وأيضاً فإن المفتين في الصدر الأول لم تكنْ لهم مذاهبُ معروفةٌ في جميع مسائل الفقه. وهذا جعل المقلّدين يسألون مَن وجدوه حين تعرِض لهم المسألةُ.

وأما قولهم: إنه يؤدّي إلى التعصُّب وتركِ الدليل الشرعيّ، فيُجابُ بأن الممنوعَ هو التعصُّبُ المذهبيُّ وتركُ الدليل مع معرفتِه والعلمِ برُجحانه، وهذا غير لازمٍ من التمذهُب لزوماً بيِّناً، ولكنه قد يحدثُ.

والذي يظهر: أن الذين أنكروا التقليدَ بمعنى التمذهبِ حملهم على إنكارِه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015