لمعاودة النظر والبحث.
وأما القائلون بعدم الوجوب مطلقاً، فليس معهم إلاّ التمسُّكُ باستصحاب الحكم السابق، ومعلومٌ أن المجتهدَ مع نسيانه للطريق التي توصَّل بها إلى القول بالتحريم أو الإباحة مثلا، يجعلُ البقاءَ على حكم الإباحة بقاءً على حكمٍ لا يَعرفُ دليلَه، والفتوى به مرةً ثانيةً فتوى بلا دليلٍ، وهي لا تصحُّ.
والاستصحابُ إنما يُفيدُ عدم نقض ما أفتى به أو حكم به بناءً على الاجتهاد السابق، أما الفتوى الجديدةُ فتفتقرُ إلى دليلٍ، وهو قد نسيه، ونسيَ طريقَ الوصول إلى الحكم السابق.
وهذه المسألة من أهمّ مسائل الاجتهاد؛ إذْ يترتّبُ على القول الراجح وجوبُ إعادة النظر في أكثر المسائل التي تحدث بعد تغيُّر الأحوال، لاحتمال أنْ تكونَ المصلحةُ فيها قد تغيّرتْ وتبدّلت.
وهذا يكفلُ للفقه الإسلاميّ التجدُّدَ المستمرَّ وعدمَ الوقوف عند اجتهاد المتقدِّمين.
وإذا عرفنا أن الإجماعَ قائمٌ على أنه إذا وجد دليلٌ جديدٌ، أو تبدّلت الأحوالُ أو الأعرافُ، وجب معاودةُ النظر في المسألة، عرفنا فائدةَ هذه القاعدة، وعرفنا ما يحملُه أصولُ الفقه من قواعدَ تُوجبُ التجديدَ المستمرَّ للفقه.
وينبغي أنْ لا نفهمَ من إعادة النظر والاجتهاد ضرورةَ تغيُّر الرأي في المسألة، بل قد نبقى على الرأي الأول، وقد تزيدُ المكتشَفاتُ الحديثةُ التدليلَ على صوابه.
وقد يُؤدّي معاودةُ النظر إلى ضرورة تقديم الحكم للناس بأسلوبٍ آخَرَ يُناسبُ العصر.