والقسم الرابع قد جاءت الشريعة بمشروعيته إما على سبيل الوجوب أو الاستحباب؛ بحسب درجته في المصلحة، ولا خلاف فيه.
والقسمان الثاني والثالث هما موضع النزاع، هل جاءت الشريعة بمنعهما؟
ومذهب المالكية والحنابلة ومن وافقهم أن سد الذرائع دليل شرعي تبنى عليه الأحكام، فمتى أفضى الفعل إلى مفسدة راجحة أو كان الغالب فيه الإفضاء إلى المفسدة أو قصد به فاعله الإفضاء إلى المفسدة وجب منعه.
وذهب بعض العلماء من الشافعية والحنفية والظاهرية إلى عدم الاستدلال بهذا الدليل ولم يوجبوا سد الذرائع المؤدية إلى المفسدة، إلا أن يرد بمنعها نص أو إجماع أو قياس، ولكنهم لم يطردوا في فروعهم الفقهية بل قالوا في بعض الفروع بالمنع دون بعضها الآخر.
ومما يدل على صحة العمل بقاعدة سد الذرائع ما يلي:
1 - قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام108].
وجه الاستدلال: أن الله منع المسلمين من سب آلهة الكفار مع أنها تستحق السب والشتم، ولكن منع من سبها حتى لا يسبوا الله، وهذا ظاهر في سد الذريعة المؤدية إلى المفسدة.
2 ـ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا} [البقرة104].
وجه الاستدلال: أن الله نهى المؤمنين أن يقولوا للرسول صلى الله عليه وسلم راعنا؛ منعا لذريعة التشبه باليهود الذين كانوا يقولون للرسول صلى الله عليه وسلم راعنا، من الرعونة