تعريف المحكم والمتشابه

الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيّه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فحديثنا بمشيئة الله تعالى سيكون عن المحكم والمتشابه في القرآن والسنة النبوية.

يقول الله عز وجل في سورة آل عمران: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [آل عمران:7].

المحكم في اللغة: المتقن، يقال: كلام محكم، أي: متقن، فالقرآن على هذا كله محكم، وهذا يسمى الإحكام العام، لأن هناك إحكاماً عاماً وإحكاماً خاصاً، وهناك تشابه عام وتشابه خاص، والقرآن فيه محكم ومتشابه، والقرآن كله محكم وكله متشابه، وكله محكم إحكاماً عاماً، وكله متشابه تشابه عاماً، لكن فيه آيات محكمات خاصة، وفيه آيات متشابهات خاصة، قال تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود:1].

ومعنى: القران كله محكم.

أي: أن القرآن كله متقن، وكله فصيح، وكله بليغ، وكله معجز، فهو كله من عند الله عز وجل، وهذا هو الإحكام العام.

وأما المتشابه في اللغة فهو: المماثلة، يقال: فلان يشابه فلان، أي: يماثله، فالقرآن كله متشابه في آياته، فبعضها يشابه بعض، فما أمر به في مكان لا ينهى عنه في مكان آخر، وبعضه يصدق بعضاً.

والمحكم في الاصطلاح له ثلاثة تعريفات، أذكرها ثم أبين الفرق بينها: الأول: ما عرف المراد منه.

الثاني: ما لا يحتمل إلا وجهاً واحداً.

الثالث: ما استقل بنفسه ولم يحتج إلى بيان.

ولن تجد في كتب علوم القرآن أو في أصول الفقه سوى هذه التعريفات الثلاثة للمحكم.

وأما المتشابه فله أيضاً ثلاثة تعريفات: الأول: ما استأثر الله بعلمه.

الثاني: ما احتمل أوجهاً متعددة.

الثالث: ما لا يستقل بنفسه واحتاج إلى بيان.

ويذكرون للمحكم في القرآن آيات الحلال والحرام، وقصص القرآن الكريم، فمثلاً: قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء:23]، هذه آية محكمة لا تحتمل إلا وجهاً واحداً.

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة:90]، فهذه أيضاً آية محكمة تبين حكماً شرعياً لا يحتمل إلا وجهاً واحداً، ومعلوم لدى الجميع.

وأما المتشابهة فيضربون له أمثلة بكيفية الصفات، فمثلاً يقول الله: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:10]، فما معنى اليد؟ عند الأشاعرة اليد بمعنى القدرة، وهذا تحريف للكلم عن مواضعه وتأويل للصفة، فاليد معروفة لدى الجميع، فالباب له يد، والسيارة لها يد، وأنت لك يد، والأنعام لها يد، ولا يعني ذلك: أن معنى الاشتراك اللفظي تشابه في الصفة، لا، فيدك تختلف عن يد الباب، ويد الأنعام تختلف عن يد السيارة وهكذا، واليد معلومة للسامع، لكن الكيفية مجهولة، وهذا هو التفويض عند أهل السنة، فهم يفوضون الكيف لا المعنى، وقد وقع في هذا التأويل جل أو معظم أو كثير من علمائنا، ونحن نقول هذا الكلام لأهميته، لذلك لما سئل الإمام مالك عن الاستواء: قال: الاستواء معلوم، أي: أنه بمعنى: علا، قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، لكن للأسف تقرأ في كتب الأزهر أن استوى بمعنى: استولى! فيُردُّ عليهم: أنه قبل أن يستولي عليه غلب من ليستولي عليه منه؟! ولذلك يقول ابن القيم: ونون اليهود كلام المحرفة.

أي: أن الله قال لهم: قولوا حطة، فقالوا: حنطة! فزادوا نوناً، وهؤلاء أيضاً قال الله لهم: الله استوى، فقالوا: استولى! فأساتذة التحريف هم اليهود، أما نحن فنؤمن بالصفة كما قال الإمام أحمد: نؤمن بالله، وبما قال الله على مراد الله، ونؤمن برسول الله، وبما قال رسول الله على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه عقيدة أبي حنيفة والشافعي ومالك والأوزاعي والثوري وأئمة العلم المعتبرين، وأما عقيدة الجهمية والمعتزلة والكرامية وفرق الضلال التي حادت عن الطريق فهي: أنها أولت الصفات وحرفتها عن موضعها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015