وَأما بَيَان المخلص عَن المعارضات فَنَقُول يطْلب هَذَا المخلص أَولا من نفس الْحجَّة فَإِن لم يُوجد فَمن الحكم فَإِن لم يُوجد فباعتبار الْحَال فَإِن لم يُوجد فبمعرفة التَّارِيخ نصا فَإِن لم يُوجد فبدلالة التَّارِيخ
فَأَما الْوَجْه الأول وَهُوَ الطّلب المخلص من نفس الْحجَّة فبيانه من أوجه أَحدهَا أَن يكون أحد النصين محكما وَالْآخر مُجملا أَو مُشكلا فَإِن بِهَذَا يتَبَيَّن أَن التَّعَارُض حَقِيقَة غير مَوْجُود بَين النصين وَإِن كَانَ مَوْجُودا ظَاهرا فيصار إِلَى الْعَمَل بالحكم دون الْمُجْمل والمشكل
وَكَذَلِكَ إِن كَانَ أَحدهمَا نصا من الْكتاب أَو السّنة الْمَشْهُورَة وَالْآخر خبر الْوَاحِد
وَكَذَلِكَ إِن كَانَ أَحدهمَا مُحْتملا للخصوص فَإِنَّهُ يَنْتَفِي معنى التَّعَارُض بتخصيصه بِالنَّصِّ الآخر
وَبَيَانه من الْكتاب فِي قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} وَقَوله تَعَالَى فِي الْمُسْتَأْمن {ثمَّ أبلغه مأمنه} فَإِن التَّعَارُض يَقع بَين النصين ظَاهرا وَلَكِن قَوْله {فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} عَام يحْتَمل الْخُصُوص فَجعلنَا قَوْله تَعَالَى {ثمَّ أبلغه مأمنه} دَلِيل تَخْصِيص الْمُسْتَأْمن من ذَلِك
وَمن السّنة قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من نَام عَن صَلَاة أَو نَسِيَهَا فليصلها إِذا ذكرهَا فَإِن ذَلِك وَقتهَا وَنَهْيه عَن الصَّلَاة فِي ثَلَاث سَاعَات فالتعارض بَين النصين ثَبت ظَاهرا وَلَكِن قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فليصلها إِذا ذكرهَا بِعرْض التَّخْصِيص فَيجْعَل النَّص الآخر دَلِيل التَّخْصِيص حَتَّى يَنْتَفِي بِهِ التَّعَارُض
وَكَذَلِكَ إِن ظهر عمل النَّاس بِأحد النصين دون الآخر لِأَن الَّذِي ظهر الْعَمَل بِهِ بَين النَّاس ترجح بِدَلِيل الْإِجْمَاع فَيَنْتَفِي بِهِ معنى التَّعَارُض بَينهمَا مَعَ أَن الظَّاهِر أَن اتِّفَاقهم على الْعَمَل بِهِ لكَونه مُتَأَخِّرًا نَاسِخا لما كَانَ قبله وبالعلم بالتاريخ يَنْتَفِي التَّعَارُض فَكَذَلِك بِالْإِجْمَاع الدَّال عَلَيْهِ وَإِن كَانَ الْمَعْمُول بِهِ سَابِقًا فَذَلِك دَلِيل على أَن الآخر مؤول أَو سَهْو من بعض الروَاة إِن كَانَ فِي الْأَخْبَار لِأَن الْمَنْسُوخ إِذا اشْتهر فناسخه يشْتَهر بعده أَيْضا كَمَا اشْتهر تَحْرِيم الْمُتْعَة بعد الْإِبَاحَة واشتهر إِبَاحَة زِيَارَة الْقُبُور وإمساك لُحُوم الْأَضَاحِي وَالشرب فِي الْأَوَانِي بعد النَّهْي