ثمَّ الْخَبَر أصل الدّين أمره عَظِيم وخطبه جسيم فَلَا وَجه للْحكم بِصِحَّة تحمل الْأَمَانَة فِيهِ قبل أَن يصير مَعْلُوما مفهوما لَهُ أَلا ترى أَنه لَو قَرَأَ عَلَيْهِ الْمُحدث فَلم يسمع وَلم يفهم لم يجز لَهُ أَن يروي وَالْإِجَازَة إِذا لم يكن مَا فِي الْكتاب مَعْلُوما لَهُ دون ذَلِك كَيفَ تجوز الرِّوَايَة بِهَذَا الْقدر وإسماع الصّبيان الَّذين لَا يميزون وَلَا يفهمون نوع تبرك استحسنه النَّاس فَأَما أَن يثبت بِمثلِهِ نقل الدّين فَلَا
وَكَذَلِكَ من حضر مجْلِس السماع واشتغل بِقِرَاءَة كتاب آخر غير مَا يَقْرَؤُهُ القارىء أَو اشْتغل بِالْكِتَابَةِ لشَيْء آخر أَو اشْتغل بتحدث أَو لَغْو أَو لَهو أَو اشْتغل عَن السماع لغفلة أَو نوم فَإِن سَمَاعه لَا يكون صَحِيحا مُطلقًا لَهُ الرِّوَايَة إِلَّا أَن مِقْدَار مَا لَا يُمكن التَّحَرُّز عَنهُ من السَّهْو والغفلة يَجْعَل عفوا للضَّرُورَة فَأَما عِنْد الْقَصْد فَهُوَ غير مَعْذُور وَلَا يَأْمَن أَن يحرم بِسَبَب ذَلِك حَظه ونعوذ بِاللَّه فَأَما إِذا قَالَ الْمُحدث أجزت لَك أَن تروي عني مسموعاتي فَإِن ذَلِك غير صَحِيح بالِاتِّفَاقِ بِمَنْزِلَة مَا لَو قَالَ رجل لآخر اشْهَدْ عَليّ بِكُل صك تَجِد فِيهِ إقراري فقد أجزت لَك ذَلِك فَإِن ذَلِك بَاطِل
وَقد نقل عَن بعض أَئِمَّة التَّابِعين أَن سَائِلًا سَأَلَهُ الْإِجَازَة بِهَذِهِ الصّفة فتعجب وَقَالَ لأَصْحَابه هَذَا يطْلب مني أَن أُجِيز لَهُ أَن يكذب عَليّ وَبَعض الْمُتَأَخِّرين جوزوا ذَلِك على وَجه الرُّخْصَة لضَرُورَة المستعجلين وَلَكِن فِي هَذِه الرُّخْصَة سد بَاب الْجهد فِي الدّين وَفتح بَاب الكسل فَلَا وَجه للمصير إِلَيْهِ
فَأَما الْكتب المصنفة الَّتِي هِيَ مَشْهُورَة فِي أَيدي النَّاس فَلَا بَأْس لمن نظر فِيهَا وَفهم شَيْئا مِنْهَا وَكَانَ متقنا فِي ذَلِك أَن يَقُول قَالَ فلَان كَذَا أَو مَذْهَب فلَان كَذَا من غير أَن يَقُول حَدثنِي أَو أَخْبرنِي لِأَنَّهَا مستفيضة بِمَنْزِلَة الْخَبَر الْمَشْهُور وَبَعض الْجُهَّال من الْمُحدثين استبعدوا ذَلِك حَتَّى طعنوا على مُحَمَّد رَحمَه الله فِي كتبه المصنفة
وَحكي أَن بَعضهم قَالَ لمُحَمد بن الْحسن رَحمَه الله أسمعت هَذَا كُله من أبي حنيفَة فَقَالَ لَا
فَقَالَ أسمعته من