وقال سبحانه: {وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا} (الإسراء: 98، 99)، وقال سبحانه: {ق * وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ * قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} (ق: 1 - 4)، فلما استبعدوا البعث بعد موتهم وتمزق أجسامهم، واختلاطها بالتراب اختلاطًا يصعب تمييزها في نظرهم، قال تعالى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ} أي: من لحومهم وعظائمهم وأشعارهم، وهو على جمعهم إذا يشاء قدير، {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} (القيامة: 3، 4).
ولما أقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت، كذبهم الله تعالى وبيَّن لهم الحكمة في البعث بعد الموت فقال -عز وجل-: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ} (النحل: 38، 39)، وذلك لكمال حكمته -سبحانه وتعالى- حيث جعل الدنيا دار عمل لا دار جزاء؛ ولقد كان من الناس الصالحون، ومنهم دون ذلك، ومنهم الظالمون ومنهم مظلومون، ومنهم المسلمون ومنهم القاسطون، ومنهم المؤمنون ومنهم الكافرون، والموت يعمّ الجميع {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} فلو أهملوا بعد الموت ولم يبعثوا لاستووا، وقد نفى الله تعالى التسوية بينهم فقال: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} (السجدة: 18)، وقال سبحانه: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} (القلم: 35، 36)، وقال سبحانه: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} (ص: 28).