وفي رواية ابن إسحاق فقال حذيفة: "قتلتم أبي" قالوا: والله ما عرفناه وصدقوا فقال حذيفة: يغفر الله لكم فأراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يدفع لحذيفة دية أبيه؛ لأن المسلمين قتلوه خطأ، فتصدق حذيفة بدية أبيه على المسلمين فزاده ذلك عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيرًا زاد من شأنه، ورفع من قدره عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك منه -رضي الله عنه- عملًا بقوله تعالى في الدية: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} (النساء: 92) فالله تعالى فرض في القتل الخطأ دية تسلم إلى أهل المقتول، وندبهم إلى العفو، والصدقة فقال: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا}، وقد أخرج هذا الحديث الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه، وترجم عليه بقوله: باب العفو في الخطأ بعد الموت.

والله -تبارك وتعالى- قد ندب إلى العفو في الدية حتى في دية القتل العمد فقال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} (البقرة: 178) فعلى الدعاة إلى الله -عز وجل- أن يتحلوا بخلق العفو عن المسيء كما أمر الله -عز وجل-: {خُذِ الْعَفْوَ وأْمُرْ بِالْعُرْفِ وأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعراف: 199)، وقال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: {فَاعْفُ عَنْهُمْ واسْتَغْفِرْ لَهُمْ وشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (آل عمران: 159)، وقال -سبحانه وتعالى-: {وَلْيَعْفُوا ولْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (النور: 22).

إن الداعية لا يسلم من أذى المدعوين سواءً كان أذى قوليًّا أو فعليًّا؛ لأن الأصل في الداعية أنه يأمر الناس بما يكرهون، وينهاهم عما يحبون، حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات، وهذه هي دعوتنا ندعو الناس إلى الجنة، ونحذرهم من النار فأنت تأمرهم بما يكرهون، وتنهاهم عما يحبون فلا تسلم أيها الداعية من أذى الناس، ولو بالقول فلابد أن تصبر على الأذى كما وصى لقمان ابنه حيث قال: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وانْهَ عَنِ الْمُنْكَرْ واصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} (لقمان: 17)، ولكن لا يكفي الصبر بل لا بد عليك أيها الداعية أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015