نواصيهم بيد الله عز وجل، وعلم الآثار الجليلة الناشئة عن الشجاعة متى تمكنت هذه المعارف من قلب الداعية قوي قلبه، واطمأن فؤاده، وأقدم على كل قول وفعل ينفع الإقدام عليه، ولا بد لمن كانت هذه حالة أن يمده الله بمدد من عنده لا يدركه العبد بحوله ولا قوته، فإن من كان الله معه فلا خوف عليه، ومن كان الله معه هانت عليه المصاعب، ودفع الله عنه المكاره يقول الله تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة: 249) انظر إلى حالة نبينا -صلوات الله وسلامه عليه- وقد أحاطت به المخاوف المزعجة وهو في الغار، والأعداء منتشرون في طلبه، وأبو بكر يقول: يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لأبصرنا، فما كان منه -صلى الله عليه وسلم- إلا أن قال لصاحبه: ((يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما، يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا)).
وانظر إلى جميع مقاماته -صلى الله عليه وسلم- في الدعوة وجهاد الأعداء وهو صادع بأمر الله، معلن بدعوته للقريب والبعيد والعدو والصديق، لا تصده معارضة الأعداء ولا قلة الأنصار والأولياء، لم يفتر ولم يضعف، ولم يلن ولم يخف مخلوقًا، ولم يثنه خذلان الخاذلين، ولا لوم اللائمين، بل ثبت -صلى الله عليه وسلم- على الدعوة والجهاد المستمر أعظم من ثبوت الرواسي، وهو مع ذلك مطمئنّ الضمير، ثابت الجأش، واثقًا بوعد الله، مستبشرًا بنصر الله حتى أنجز الله ما وعده، وأكمل دينه، وأعز جنده، وهزم أعداءه، وجعل له العاقبة الحميدة، وتبعه على ذلك خلفاؤه وأصحابه فمضوا على ما مضى عليه نبيهم بإيمان ويقين وثبات كامل، وقوة في الدين؛ حتى فتحوا الأمصار ودانت لهم الأقطار، وأظهر الله بهم الدين، وأتم نعمته على المؤمنين {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الجاثية: 36، 37)
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.