والمدينة، وأصبح المسلمون كما يقول عروة بن الزبير -رضي الله عنهما-: كالغنم في الليلة المطيرة الشاتية لفقد نبيهم، وقلة عددهم، وكثرة عدوهم؛ حتى وجد من المسلمين من قال لأبي بكر -رضي الله عنه-: يا خليفة رسول الله، أغلقك بابك، والزم بيتك، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين -يعني: الموت- ولكن أبا بكر -رضي الله عنه- لم يعترِه اليأس، ولم يستحوذ عليه القنوط، وإنما واجه هذه الأحداث الجسام كلها بإيمان راسخ، وعزيمة ثابتة، وتفاؤل عظيم.

هو الذي قال للدنيا قولته الخالدة: "أينقص الدين وأنا حي".

وهو الذي قال لعمر -رضي الله عنه- حين جاء يعاتبه على قتال مانعي الزكاة: "مه يا عمر، رجوت نصرتك وجئتني بخذلانك، أجبّار في الجاهلية وخوَّار في الإسلام، ماذا عسيت أن أتألَّفهم بسحر مفتعل، أم بشعر يُفترى هيات هيات، مضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وانقطع الوحي؛ فوالله لأجاهدنّهم ما استمسك السيف في يدي، فوالله لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة، فوالله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدُّونه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم عليه، قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال؛ فعلمت أنه الحق".

وأبو بكر هو الذي أنفذ جيش أسامة -رضي الله عنه- وقال لمعارضيه: والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أن السباع تخطفني؛ لأنفذت بعث أسامة، كما أمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ولو لم يبقَ في القرى غيري لأنفذته ما كنت أحلّ عقدًا عقده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيديه. ولم يزل أبو بكر -رضي الله عنه- يُخطّط ويجاهد ويرسل البعوث، ويسهر على مصالح الرعية؛ حتى استطاع أن يتغلَّب على الصعاب، وأن يقضي على الثورات والفتن، وأن ينتصر على المرتدّين ومدّعي النبوة، ومانعي الزكاة، ومبطلي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015