رغبة المدعوّ إلى السماع، ويقمع فيه نوازع الجهل والنفور، وفي القرآن الكريم كثير من الآيات التي تشير إلى هذا التلطُّف المفيد، قال تعالى عن إبراهيم -عليه السلام: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} 1، فذكر إبراهيم -عليه السلام- في خطابه لأبيه رابطة الأبوة التي من شأنها أن تجعل الابن حريصًا على مصلحة الأب، وتجعل الأب جديرًا بأن يصغي إلى خطاب ابنه، وقال تعالى عن هود -عليه السلام: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ} 2، فهود -عليه السلام- خاطبهم بكلمة يا قوم؛ لأن هذا الخطاب أدعى إلى استجابتهم وإلى تحسيسهم بأنَّ من يخاطبهم هو منهم في النسب، وأنه يريد الخير لهم، وفي السنة النبوية ما يدل أيضًا على ما قلناه، فقد ذكر ابن هشام في سيرته أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أتى إلى بطنٍ من بطون كلب في منازلهم يقال لهم "بنو عبد الله"، فدعاهم إلى الله، وعرض عليهم نفسه، حتى إنه كان يقولهم لهم: "يا بني عبد الله، إنَّ الله -عز وجل- قد أحسن اسم أبيكم" 3 أي: فأحسنوا الإجابة واقبلوا الدعوة وآمنوا بالله ورسوله.
737- وعلى هذا يجوز أن يستثير في خطابه همم المدعوين بما يذكِّرهم به من طيب أصلهم وكرم عائلتهم وشرف نسبهم، وأنَّ ذلك لا يتفق وجريهم مع العصاة وانغماسهم في الرذائل والشهوات، وأنَّ اللائق بهم أن يكونوا مع الأخيار المطيعين لله، فهذا ونحوه سائغ إن شاء الله، لا نرى فيه شيئًا على ألّا يسرف فيه الداعي، وأن يكون قصده منه التشويق والحمل على الطاعة، لا المداهنة والنفاق، والأعمال بالنيات.
738- والتلطف في القول لا يعني المداهنة والنفاق ولا إخفاء الحق أو تحسين الباطل أو الرضى به، وإنما هو تشويق للمدعو لقبول الحق، وإعانته على هذا القبول، وليس فيه إخفاء مرض المدعو، فإنَّ الداعي كالطبيب، فكما أنَّ الطبيب لا يخفي على المريض علته، وضرورة العلاج له، فكذلك الداعي، قال تعالى حكاية عن بعض رسله: