اصول الدعوه (صفحة 444)

وأمرهم الله تعالى أن لا يقتحموا على عدوهم على جهالة حتى يتحسَّسوا ما عندهم، ويعلموا كيف يردون عليهم، فذلك أثبت لهم1.

دليل مشروعية الحذر من السنة النبوية:

690- وفي السنة النبوية شواهد كثيرة على مشروعية الحذر ولزومه بالنسبة للمسلم، ولا سيما للدَّاعي الذي يتعرَّض لمكائد الكفار والمنافقين، نذكر منها ما يأتي:

أولًا: عن عائشة أمّ المؤمنين قالت: أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالهاجرة، في ساعة كان لا يأتي فيها، قالت: فلمَّا رآه أبو بكر قال: ما جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الساعة إلّا لأمر حدث، قالت: فلمَّا دخل تأخَّر له أبو بكر عن سريره، فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وليس عند أبي بكر إلّا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: أخرج عني من عندك، فقال: يا رسول الله، إنما هما ابنتاي، فداك أبي وأمي، فقال: إنَّ الله أذِنَ لي في الخروج والهجرة2، وفي أخبار هذه الحادثة أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج وأبو بكر من باب صغير في ظهر بيت أبي بكر، ومضيا إلى غار بجبل ثور، فلم يصعدا الغار حتى قطرت قدما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دمًا، وقد نسج العنكبوت وعشعشت حمامتان على باب الغار3، ففي هذا الخبر والذي قبله دليل قاطع على وجوب الحذر، ويظهر ذلك من:

أ- مجيء النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى بيت أبي بكر في الهاجرة؛ حيث ينقطع سير الناس عادة في الطريق أو يقل.

ب- طلبه -صلى الله عليه وسلم- من أبي بكر أن يخرج من داره مَن فيها مِمَّن يخشى اطلاعه على ما يقوله النبي -صلى الله عليه وسلم، فلما أعلمه أبو بكر بأنهما ابنتاه لم ير بأسًا من بقائهما.

ج- خروجهما من بابٍ في ظهر دار أبي بكر، فلم يخرجا من الباب الأصلي للدار.

هـ- اختفاؤه -صلى الله عليه وسلم- في الغار، وتحمُّله النَّصَب للوصول إليه، حتى إنَّ قدمية الشريفتين قطرتا دمًا.

و أمر الله تعالى العنكبوت بنسج خيوطه، وتعشيش الحمامتين؛ ليكون ذلك داعيًا لصرف أنظار المشركين عن وجودهما في الغار.

691- ثانيًا: وفي السنة النبوية أيضًا أنَّ قريشًا عندما عزَّت على قتل رسول الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015