اصول الدعوه (صفحة 412)

هذه الحالة المعينة أو الظرف المعيَّن، فيحتاج الداعي إلى بصيرة نافذة تدرك الوسيلة المناسبة، أو تسخرجها من مجموع الوسائل الصحيحة عن طريق المزج أو الاستنباط أو القياس، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} 1، وقد جاء في تفسير هذه الآية: "يجعل لكم فرقانًا، أي: فصلًا بين الحق والباطل، فإنَّ من اتقى الله بفعل أوامره وترك زواجره وُفِّقَ لمعرفة الحق من الباطل، فكان ذلك سبب نصره ونجاته، ومخرجه من أمور الدنيا، وسعادته يوم القيامة"2، وقال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} قال ابن كثير في تفسيره: ويعلمكم الله؛ كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} يريد رحمة الله بقوله هذا، إن معناها مثل معنى هذه الآية3.

ثالثًا: الالتجاء الدائم إلى الله تعالى، والانطراح بين يديه، والتوسُّل إليه ليعلمه ويفهمه، لقد كان الإمام بن تيمية يخرج إلى الصحراء ويضع خدَّه على التراب ويقول: "يا معلم إبراهيم علمني" يكررها مرارًا، ويكرر هذه الحالة مرارًا كما ذكر تلميذه ابن القيم.

رابعًا: تطهير قلبه من جراثيم الرياء تطهيرًا كاملًا، بتجريد الإخلاص لله رب العالمين؛ بحيث لا يبقى فيه أيّ تلفُّت إلى الناس وطلب السمعة عندهم، أو طلب مرضاتهم على حساب النهج الصحيح للدعوة. إنَّ الداعي قد ينحرف عن النهج الصحيح لما يسمعه من ضجيج الناس ومن صياحهم، أو من رغبة أصحابه في التساهل في معاني النهج الصحيح، والذي يعينه على الثابت والاستقامة وعدم الخروج على النهج الصحيح إخلاصه الكامل التامّ، الذي يجعله لا يلتفت إلى أيٍّ من دواعي الخروج.

إن تجريد الإخلاص صعب جدًّا؛ لأنَّ جراثم الرياء خفية ودقيقة قد يحملها الداعي ولا يحس بها، كما يحمل الصحيح جراثيم المرض ولا يحس بها، ولهذا يمكن أن تؤثر فيه أو تضعف مقاومته لدواعي الخروج عن النهج الصحيح، والله المستعان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015