مع أممهم، وكيف جرى لهم من المحاجَّات والخصومات، وما احتمله الأنبياء من التكذيب والأذى، وكيف نصر الله حزبه المؤمنين، وخذل أعداءه الكافرين، كل هذا مما نثبت به فؤادك يا محمد، أي: قلبك؛ ليكون لك ممن مضى من إخوانك المرسلين أسوة"1.
ولا شكَّ أنَّ المسلمين يقتدون برسولهم -صلى الله عليه وسلم، وفيما كان يتأسَّى به من سيرة المرسلين في أمور الدعوة إلى الله، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} 2. ففي قصص السابقين من أمم الأرض وما جرى عليهم وما جرى لأنبياءهم معهم عبرة وموعظة لأصحاب العقول السليمة، وهداية ورحمة للمؤمنين بالله ورسوله، فهم الذين يعتبرون بما قصَّه الله عن الماضين ويتعظون به؛ لأن الإيمان قد فتح قلوبهم للحق، وأرهف حسَّهم لمواضع العبرة ومعاني الموعظة، وقال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} 3، فهذه الآية الكريمة تشير إلى لزوم الاقتداء بنهج رسل الله في الدعوة إليه.
ثانيًا: السنة النبوية
642- وفي السنة النبوية أحاديث كثيرة تتعلَّق بأمور الدعوة ووسائلها، كما أنَّ السيرة النبوية المطهرة، وما جرى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة والمدينة، وكيفية معالجته للأحداث والظروف التي واجهته، كل ذلك يعطينا مادَّة غزيرة جدًّا في أساليب الدعوة ووسائلها؛ لأنَّ الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ بمختلف الظروف والأحوال التي يمكن أن يمرَّ بها الداعي في كل زمان ومكان، فما من حالة يكون فيها الداعي، أو أحداث تواجهه، إلّا ويوجد نفسها أو مثلها أو شبهها أو قريب منها في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم، فيستفيد الداعي منها الحل الصحيح والموقف السليم الذي يجب أن يقفه إذا ما فقه معاني السيرة النبوية، وقد يكون من حكمة الله ولطيف لطف الله أن جعل رسول