ولهذا لم يكن أحد من المسلمين منافقًا في مكة قبل الهجرة إلى المدينة؛ لأنَّ المسلمين كانوا قلة مستضعفين لا حول لهم ولا قوة ولا سلطان، وإنما السلطان لكفار قريش، ولكن بعد أن هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون إلى المدينة، وصار للمسلمين قوة وسلطان، وانتشر الإسلام في المدينة، ظهر النفاق والمنافقون.
أساس النفاق:
614- وأساس النفاق الكفر والجبن، أمَّا الكفر فهو ما يبطنه المنافق، وأمَّا الجبن فهو الذي يجعل المنافق يظهر خلاف ما يبطنه من الكفر، ولهذا لا يكون المنافق إلّا جبانًا خوَّارًا ضعيف القلب، يحسن الكيد والمواربة والعمل في الظلام، وإذا لقي المؤمنين أظهر لهم نفسه كأنَّه مؤمن {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} ، فهم لجبنهم يقولون: إننا مؤمنون، وإذا خلوا إلى قرنائهم من المنافقين والكاذبين قالوا: نحن نستهزئ بالمؤمنين بقولنا لهم: إنَّنَا مؤمنون.
المنافق أسوأ من الكافر:
615- والمنافق أضرّ وأسوأ من الكافر؛ لأنه ساواه في الكفر، وامتاز عليه بالخداع والتضليل وإمكان تسلله في صفوف المسلمين، فيكون إيذاؤه شديدًا، والحذر منه قليلًا، بخلاف الكافر الذي لا يحصل فيه الاشتباه، ولا يمكن أن يخدع المسلمين بحقيقته الظاهرة.
علامات النفاق:
616- وإذا كان النفاق يقوم على الكفر الباطن، والأصل خفاء ما في القلوب، فإنَّ السبيل إلى معرفة المنافق هو ظهور علامات النفاق عليه، فإذا ظهرت هذه العلامات حذره المسلمون وتوقوا شره، سواء أكان من المنافقين الخالصين، أي: الذين يخفون تكذيب الله ورسوله، أو كان من الذين عندهم أصل التصديق بالله ورسوله، ولكن شاب تصديقه بعض معاني النفاق، واتَّصَف ببعض صفات المنافقين، فمن ظهرت عليه صفات المنافقين عومل معاملة المنافقين بقدر ما ظهر فيه من صفاتهم، سواء أكان عنده أصل الإيمان بالله ورسوله، أو لم يكن عنده الأصل.