فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ، أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} ، ففرعون يعتزّ بملكه وسلطانه وثراه ومنعته، ويُوهِمُ الجمهور أنَّه وهذه منزلته أحق بالحق من موسى الذي ليس عنده شيء مما عند فرعون، الذي لا يكاد يفصح عن مقصده وغرضه، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ، وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} ، فهم يستدلون بما أعطاهم الله من أموالٍ وأولاد على صلاحهم ونجاتهم من العذاب، وجهلوا سنة الله في العطاء والمنع، فالله تعالى يعطي المال لمن يحب ولمن لا يحب، فلا يكون المال دليلًا على صلاح الشخص ورضى الله عنه. وهذه الشبهات على بطلانها فإنَّها تؤثر في الجمهور؛ لأن من يسمع يضل؛ ولأن الملأ يلقيها بأسلوب ناعمٍ مزخرف ليزيد من تضليله وإغرائه للجمهور بالمال، وإخافته لهم بالقوة. والإنسان يحب الحياة والتمتع فيها، ويخاف الأذى والحرمان، فتتجمَّع الشبهات مع هذه الغرائز الإنسانية فيقع التأثير في أكثر الجمهور، ولا ينجو منها إلّا القليل منهم، ومع هذا يبقى أكثر أتباع الرسل الكرام من الجمهور لا من الملأ.