مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ} ، وكذلك كان أتباع نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- في مكة من الضعفاء، وقد نالهم من المشركين أذى كثير1، والجمهور في كل وقت أسرع من غيرهم إلى قبول الحق، قال ابن كثير في تفسيره: "ثم الواقع غالبًا أن يتَّبِع الحق ضعفاء الناس"2.
تعليل سرعة استجابة الجمهور للحق:
606- وتعليل سرعة استجابة الجمهور للحق وقبولهم الدعوة إلى الله، أنَّهم خالون من موانع القبول الموجودة في "الملأ"، كحب الرياسة والتسلُّط والأنفة من الانقياد للغير لكبرهم النفسي، وبالتالي يكون أسرع إلى الإجابة للحق والانقياد له من غيرهم، وهذا التعليل أشار إليه القرطبي في تفسيره، والواقع أن الكبر وحب الرياسة والانغماس في الترف، ونحو ذلك مما لا ينفك عنه "الملأ" غالبًا، يجعل انفكاكهم عن هذه الموانع صعبًا، وبالتالي تكون قلوبهم في أكِنَّة لا تتأثَّر بالحق، وعلى عيونهم غشاوة لا ترى الحق واضحًا جليًّا، فتندفع إلى معاداته عن جهل، وبدافع الحرص على مكانتهم كما بيَّنَّا هذا من قبل.
احتمال تأثر الجمهور بالملأ:
607- ومع أنَّ الجمهور مهيأ للاستجابة السريعة أكثر من غيره، وأنَّ فرص الإيمان أمامه كثيرة، وأنَّ فطرته سليمة، فإن هناك احتمال لتأثُّر الجمهور بمكائد "الملأ"، والسير وراء تضليلهم وأكاذيبهم كما حصل لقوم فرعون، فقد تابعوه على باطله وناصروه عليه، قال تعالى عنه وعنهم: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} ، وفي تفسير ابن كثير: استخفَّ عقولهم فدعاهم إلى الضلالة فاستجابوا له3، والظاهر أنَّ فتنة فرعون كانت عظيمة، فقد جمع بين الملك والرئاسة والأعوان والأموال، مع فراغ قلوب قومه من العلم النافع والهدى العاصم والعقل الراجح، فوقعوا في فتنته وأباطيله التي كان يحتجُّ بها في رد دعوة موسى -عليه السلام {فَاتَّبَعُوا أَمْر