الإسلامية، وهي بطبيعتها شريعة عالمية لا إقليمية، أراد مشرِّعها -وهو الله جلَّ جلاله- تطبيقها على كافَّة الناس في جميع بقاع الأرض، وهم مخاطبون بأحكامها، مطالبون بتنفيذها، ولكن لعدَمِ ولاية دار الإسلام على ما سوى إقليمها فقد تعذَّر تطبيقها في خارج إقليمها، أمَّا في داخل إقليم الإسلام فيجب التطبيق؛ لأنَّ الولاية فيها للمسلمين، وفي هذا المعنى يقول الإمام أبو يوسف: "ولأنَّ الشرائع هو العموم في حق الناس كافَّة، إلّا أنه تعذَّر تننفيذها في دار الحرب؛ لعدم الولاية، وأمكن في دار الإسلام، فلزم التنفيذ فيها"1، وعلى هذا فإنَّ أحكام القانون الجنائي الإسلامي تطبَّق على جميع الجرائم التي تقع في دار الإسلام، بغَضِّ النظر عن جنسية مرتكبها أو ديانته، وهذه هي القاعدة العامة، إلّا أنَّ في بعض جزئياتها اختلافًا قليلًا بين الفقهاء بالنسبة للذمِّيين والمستأمنين، واختلافًا أكثر بالنسبة للمستأمنين1، فمن ذلك أنَّ جمهور الفقهاء استثنوا الذميين والمستأمنين من عقوبة شرب الخمر باعتبار أنهم يعتقدون حلها، وعند الظاهرية تجب عليهم عقوبة شرب الخمر شأنهم في ذلك شأن المسلمين2، وبعد هذا التمهيد نتكلم عن الجريمة أولًا، ثم عن العقوبة ثانيًا، في فرعين متتاليين.
الفرع الأول: الجريمة
تعريف الجريمة:
465- عرَّف فقهاء الشريعة الإسلامية الجرائم بأنَّها محظورات شرعية زجر الله تعالى عنها بحَدٍّ أو تعزير3، ويفهم من هذا التعريف أنَّ الجريمة في الاصطلاح الفقهي يجب أن تتوفَّر فيها الأمور الآتية: