تبرير إرسال الرسل:
33- والفكرة التي وراء إرسال الرسل والتي على أساسها يمكن تبرير إرسالهم إلى الناس، تقوم على أساس تفرُّد الله تعالى بالربوبية والألوهية، فهو رب العالمين وإلههم، فلا ربَّ لهم سواه، ولا إله لهم غيره، ومن لوازم ربوبيته وألوهيته تعالى قيامه -عز وجل- بتدبير شئون خلقه، والتكفُّل بمصالحهم وما يصلح لهم ويصلحون به، والتصرف فيهم بالأمر والنهي. ولا شكَّ أنَّ الإنسان لا يحتاج فقط إلى الغذاء ونحوه مما هو ضروري لإدامة حياته الجسدية، وإنما هو بحاجة وضرورة إلى ما يفي بحاجات روحه التي امتاز بها عن غيره، وإلى ما يوصله إلى الكمال اللائق به كإنسان، وعلى هذا فأهمّ مصالح الإنسان على الإطلاق إبلاغه السعادة والكمال المقدَّر له بتعرفه بخالقه ومعبوده، وطريق الوصول إليه، ووضعه على الصراط المستقيم الذي لا يضل فيه ولا يشقى.
وحيث إنَّ الإنسان بنفسه لا يستطيع أن يعرف هذه الأمور على وجه صحيح سالم من الخطأ؛ لأنها فوق قدرة العقل، فقد اقتضت حكمة الربِّ ورحمته بالإنسان أن يرسل للبشر رسلًا من جنسهم، يكلمونهم بلغتهم، ويبلغونهم رسالات ربهم، ويعرفونهم به، ويبينون لهم طرق الوصول إليه، وما يسعدون به في حياتهم وأخراهم، ولهذا كان من لوازم الإيمان بالله ربًّا وإلهًا الاعتقاد برسل الله، وأنَّ إنكار رسله يتضمن الجهل بالله وتنقيصه وعدم تقديره حق قدره، ومن ثَمَّ يكون كفرًا، قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} 1.
ختم الرسالات:
34- وقد ختم الله رسالته بالرسالة الإسلامية التي أوحى بها إلى نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم، وجعله خاتم الأنبياء والمرسلين، قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} 2 وإنما ختمت الرسالة برسالة الإسلام الخالدة؛ لكمالها ووفائها بحاجات البشر إلى يوم القيامة، فلا داعي لرسالة أخرى، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا} 3.