اصول الدعوه (صفحة 16)

الرياح.. إنَّ هذا الكلام لا يصدقه عاقل، فكيف يصدق أنَّ هذا الكون الهائل، وهذا الإنسان العجيب، وهذه المخلوقات الغريبة من حيوان ونبات، كل ذلك حدث صدفة بلا موجِد ولا مدبِّر ولا منظِّم، إنَّ هذا شيء لا يكون قبوله أبدًا. أذكر أن أحد الطلاب سألني: لماذا لا يمكن أن يوجد هذا العالم صدفة بفعل المادة؟ فأجبته: انظر إلى هذه السبورة وهي أمامك -وكان عليها بعض الكتابات، لو قال إنسان: إن هذه الأسطر على السبورة لم يكتبها كاتب، وإنما حدثت صدفة بأن حملت الرياح ذرات التراب ودخلت بها من نوافذ الغرفة وأسقطتها على السبورة، فظهرت بشكل كلام مفهومٍ مكونًا هذه الأسطر، أيمكن لعاقل أن يصدق هذه القول؟ فقال: لا، قلت: فإذا كان هذا غير مقبول ويرفضه العقل، وهو شيء بسيط وتافه للغاية، فكيف يمكن لعقل سليم أن يصدِّق أن المادَّة الصماء العمياء أبدعت هذا الكون، أو أنَّ هذا الكون بكل ما فيه انبثق من هذه المادة؟ ولهذا فإن الإقرار بربوبية الله وإنفراده بها أمر شائع عند البشر، ومركوز في فطرة كل إنسان، ويعترف به حتى المشرك، قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} 1، وقال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} 2.

القرآن الكريم وتوحيد الربوبية في النفوس:

28- والقرآن في آياته يذكِّر الناس بما هو مركوز في فطرهم ويقرره، وهو أنَّ الله وحده رب العالمين، قال تعالى: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} 3، ومن أنكر وجود الخالق عزَّ وجلّ بلسانه فإنه مستيقن في باطنه بوجود الله تعالى، قال تعالى مخبرًا عن أمثال هؤلاء الجاحدين المنكرين: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} 4، فالإنكار والجحود من البعض لوجود الخالق هو إنكار وجحود محض على وجه المكابرة والعناد، ولا يعني خلوَّ فطرة الإنسان من الإحساس العميق بوجود الخالق، ولهذا إذا زالت الغشاوات عن فطرة الإنسان وزالت مكابرته وعناده، فإنه يجد نفسه بلا اختيار منه متوجهًا إلى الله، هاتفًا بلسانه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015