91 - ولهما عن أنسٍ - رضي اللَّه عنه - قال: «جاء ثلاثة رهط إلى أزواج النبي صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم يسألون عن عبادة النبي صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم فلما أخبروا بها كأنهم تقالوها فقالوا أين نحن من النبي صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم قد غفِر له ما تقدم من ذنبهِ وما تأخر، فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا، وقال الآخر: أنا أصوم النهار ولا أفطر، وقال الآخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء النبي صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم إليهم فقال: " أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما واللَّه إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني» .
ـــــــــــــــــــــــــ
91 - رواه البخاري كتاب النكاح (9 / 104) (رقم: 5063) .
ورواه مسلم كتاب النكاح (2 / 1020) (رقم: 1401) .
الرهط: من ثلاثة إلى عشر.
قوله: «إني لأخشاكم لله» :
قال الحافظ في "الفتح" (9 / 105) :
فيه إشارة إِلى رد ما بنوا عليه أمرهم من أن المغفور له لا يحتاج إلى مزيد في العبادة بخلاف غيره، فأعلمهم أنه مع كونه يبالغ في التشديد في العبادة أخشى لله وأتقى من الذين يشددون، وإنما كان كذلك لأن المشدد لا يأمن من الملل بخلاف المقتصد فإنه أمكن لاستمراره، وخير العمل ما داوم عليه صاحبه.
قوله من رغب عن سنتي فليس مني: المراد بالسنة الطريقة، لا التي تقابل الفرض.
والرغبة عن الشيء الإعراض إلى غيره، والمراد: من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني، ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية فإنهم هم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم اللَّه تعالى وقد عابهم بأنهم ما وفوه بما التزموه.
وطريقة النبي صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم الحنفية السمحة، فيفطر ليتقوى على الصوم، وينام ليتقوى على القيام، ويتزوج لكسر الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل.
وقوله: فليس مني، إن كانت الرغبة بضرب من التأويل يعذر صاحبه فيه، فمعنى فليس مني أي: على طريقتي، ولا يلزم أن يخرج عن الملة وإن كان إعراضا وتنطعا يفضي إِلى اعتقاد أرجحية عمله فمعنى: فليس مني ليس على ملتي لأن اعتقاد ذلك نوع من الكفر.