ومن تأمل الآفاق وما في هذا الكون من سماء وأرض، وما اشتملت عليه السماء من نجوم وكواكب وشمس وقمر، وما اشتملت عليه الأرض من جبال وأشجار وبحار وأنهار، وما يكتنف ذلك من ليل ونهار وتسيير هذا الكون كله بهذا النظام الدقيق؛ دله ذلك على أن هناك خالقا لهذا الكون، موجدًا له مدبِّرًا لشؤونه، وكلما تدبر العاقل في هذه المخلوقات وتغلغل فكره في بدائع الكائنات علم أنها خُلقت للحق وبالحق، وأنها صحائف آيات، وكتب براهين ودلالات على جميع ما أخبر به الله عن نفسه وأدلة على وحدانيته.

وقد جاء في بعض الآثار أن قوما أرادوا البحث مع الإمام أبي حنيفة في تقرير توحيد الربوبية، فقال لهم رحمه الله: " أخبروني قبل أن نتكلم في هذه المسألة عن سفينة في دجلة تذهب فتمتلئ من الطعام وغيره بنفسها وتعود بنفسها، فترسو بنفسها وترجع، كل ذلك من غير أن يديرها أحد؟ ".

فقالوا: " هذا محال لا يمكن أبدا. فقال لهم: إذا كان هذا محالا في سفينة فكيف في هذا العالم كله علوه وسفله؟ ".

فنبه إلى أن اتساق العالم ودقة صنعه وتمام خلقه دليل على وحدانية خالقه وتفرده.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015