جرت عادة المصلين للوتر عن القدوة بإمام التراويح في رمضان في المساجد أن يقتدوا بالإمام فيها كلها ثم إذا أراد صلاة الوتر فالمقتدون الموافقون له في مذهبه يكملون معه صلاة الوتر جماعة أيضًا والمخالفون له في مذهبه ينفردون في الوتر بجماعة لهم يؤمهم أحدهم.
أصل هذا الإنفراد والتباين والتقسيم في المصلين هو أن الحنفية يرون صلاة الوتر ثلاث ركعات موصولة بتسليمة واحدة والشافعية يرون فصل الركعة الأخيرة عما قبلها وأداء الثلاث بتسليمتين. فمحافظة على ما تقرر في مذهب كل يقوم كل مقلد بما يتقاضاه به مذهبه تعصبًا بدون نظر إلى ما روي في هذا الباب من الأحاديث الصحيحة والآثار الحسنة التي تشهد للآتي بكل من الوجهين بالصواب والصحة1 وبدون تفكر وتدبر فيما ينجم عن تقسيم الجماعة من إظهار المخالفة والمباينة وعدم الرضا بما يصنع كل، دع عنك التشويش في بعض المساجد الصغيرة ورفع كل صوته على الآخر في القراءة وغير ذلك مما ينافي مبدأ الجماعة ومشروعيتها وهدي الصحابة كلهم إذ لم يكونوا يقسمون جماعة الوتر، بل ربما يرون التقسيم من أنكر النكر إذ ما جمعهم عمر رضي الله عنهم في التراويح على إمام واحد إلا لرفع التقسيم والاختلاف، وللحرص على التجمع والائتلاف رواه المحدثون في أصل مشروعية التراويح والقيام بها في ليالي رمضان.
والقصد أني أرى مصلي التراويح مع إمام المسجد ينبغي لهم إتمام الاقتداء به في صلاته إلى آخرها وعدم الانفراد عنه وطالما قررت ذلك في دروسي العامة وبينت لهم وجوه مآخذي.
"فأولا" قرر علماء الأصول أن العامي لا مذهب له فإذا دخل المسجد فما عليه إلا أن يقتدي بإمامه وينصبغ بصبغته بل رأيت أستاذًا لي من الشافعية المحققين يقتدي بإمام مسجد حنفي في صلاة الصبح ويوافقه على ترك القنوت ولا يسجد للسهو -على مقتضى ما طلبه الشافعية- ويقول لي لا أرى من الأدب في العبادة مخالفة من اتخذته إماما لي ورضيته لذلك وهو