حجر: كل هذه الأشياء المنفية مأخذها الاستقرار فلم يكن بالمدينة مكان يجتمع فيه إلا مسجد المدينة.
وروى الترمذي من طريق رجل من أهل قباء عن أبيه وكان من الصحابة قال أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشهد الجمعة من قباء1.
فأنت ترى من هذه الأحاديث والآثار وإطباق العصر الأول بداهة كون موضوع الجمعة الجماعة المتوافرة إذ شرعت لذلك وبه يضاهي ما يصنعه أهل الكتاب في يوميهم الذي هو سبب تشريعها فعجبًا لأهل الظاهر وغفلتهم عما نقلنا، وعن سر الاحتفال بها والأعجب منه تركهم التفطن لمعنى لفظة جمعة الذي لم يسمها الصحابة بذلك ونزل القرآن مصدقًا له إلا لما دل عليه مفهومها من كثرة الجمع وإليك البيان:
جاء في القاموس وشرحه: الجمعة بضم فسكون وبضمتين وكهمزة اليوم المعروف سميت بذلك لأنها تجمع الناس أي لاجتماعهم في يومها بالمسجد. والذين قالوا جمعة بضم ففتح ذهبوا بها إلى صفة اليوم أنه يجمع الناس كثيرًا كما يقال رجل همزة لمزة ضحكة. ا. هـ.
وأقول اتفق اللغويون على أن صيغتي فُعْلة بضم فسكون وفُعَله بضم ففتح للمبالغة، الأولى لمبالغة المفعول والثانية للفاعل، فمعنى الجمعة التكثير في المجموع أو في المجمعين، فهل لأحد أن يصرف هذه اللفظة عن مسماها اللغوي المؤيد بفعله عليه السلام والخلفاء من بعده برأيه من غير نص ولا إجماع؟ وإذا جاز مثل ذلك بطلت الحقائق ولم يصح تفاهم أبدًا إذ علمنا أن لفظة الجمعة لم تقع قط في اللغة التي بها نتفاهم إلا على الجمع الكثير ومن خالف بعد هذا فقد كابر.
بقي أن يقال أن صيغة جمعة للمبالغة كما برهن عليه فما أقل ما تحقق فيه