بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وسلام على عباده الصالحين المصلحين وبعد؛ فإن رجال الإصلاح في الدنيا هم مصابيحها الذين تسطع أشعة حكمتهم في ديجور ظلمتها؛ فتتأذى بنور الإصلاح عيون طالما استأنست بالظلام، وتتنكر له نفوس ذاقت لذة الاستفادة من غفلة جماهير العوام. فلا يزال مصباح الإصلاح جادًّا في الظهور والاستعلاء، وأعداء الإصلاح دائبين على مقاوته في الجلاء والخفاء حتى يتم الله نوره.
وإذا أتم الله نوره على عباده الصالحين بإشاعة مذهبهم الصالح فكثر سواد التابعين له يقف الشيطان أمام قلعة منهم رصينة الأركان، متينة البنيان؛ حتى إذا عجز عن فتحها من الخارج تذرع إلى فتحها من الداخل بتلبيسه الحق بالباطل على أهلها، وتسويله لهم أن يبتدعوا في الدين ما ليس منه، وأن يدخلوا عليه ما ليس فيه، إكمالًا له بزعمهم، ومبالغة في التمسك به. وإن مثل الدين في ذلك كمثل ينبوع الماء يتفجر من سفح الجبل عذبًا زلالًا، فلا يجتاز في مجراه بقاع الأرض من أفق إلى أفق حتى تكدره الأيدي فتمس الحاجة إلى إزالة ما زاد فيه من أوضار وأقذار وكانت به تزال الأوضار والأقذار.
لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصان بالماء اعتصاري
هنالك تتجدد الحاجة إلى المصلحين فتتألق مصابيحهم في الأمم التي يريد الله بها خيرًا؛ ولعل ذلك من معاني قول الرسول الأكرم والمصلح الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم: "يبعث الله على رأس كل مائة من يجدد لهذه