وقد كان سلمة بن الأكوع يتحرى الصلاة عند الأسطوانة قال: لأني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى الصلاة عندها1 فلما رآه يقصد تلك البقعة لأجل الصلاة كان ذلك القصد للصلاة متابعة. وكذلك لما أراد عتبان بن مالك أن يبني مسجدًا لما عمي رسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: إني أحب أن تأتيني تصلي في منزلي فاتخذه مصلى فجاءه صلى الله عليه وسلم وصلى ركعتين في ناحية من البيت2 فهذا المكان مكان قصد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة فيه ليكون مسجدًا. فصار قصد الصلاة فيه متابعة له بخلاف ما اتفق أنه صلى فيه بغير قصد، وكذلك قصد يوم الاثنين والخميس بالصوم متابعة لأنه قصد صوم هذين اليومين، وكذلك قصد إتيان مسجد قباء متابعة له فقد ثبت عنه في الصحيحين أنه كان يأتي قباء كل سبت راكبًا وماشيًا وذلك لأن الله أنزل فيه: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} مع تناوله كل مسجد أسس على التقوى بخلاف مساجد الضرار ولهذا كان السلف يكرهون الصلاة فيما يشبه ذلك ويرون العتيق أفضل من الجديد؛ لأن العتيق أبعد أن يكون بني ضرارًا من الجديد الذي يخاف ذلك فيه. وعتق المسجد مما يحمد به ولهذا قال: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيق} وقال: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} فإن قدمه يقتضي كثرة العبادة فيه أيضًا وذلك يقتضي زيادة فضله.

ثم قال عليه الرحمة: والمقصود هنا ذكر متابعة النبي صلى الله عليه وسلم وهو أنه يعتبر فيه متابعته في قصده فإذا قصد مكانًا للعبادة فيه كان قصده لتلك العبادة سنة، ولهذا لم يكن جمهور الصحابة يقصدون مشابهته في ذلك وابن عمر رضي الله عنهما مع أنه كان يحب مشابهته في ظاهر الفعل لم يكن يقصد الصلاة إلا في الموضع الذي صلى فيه لا في كل موضع نزل به.

ولهذا رخص أحمد بن حنبل في ذلك إذا كان شيئًا يسيرًا كما فعله ابن عمر ونهى عنه رضي الله عنه إذا كثر؛ لأنه يفضي إلى المفسدة وهي اتخاذ آثار الأنبياء مساجد وهي التي تسمى مشاهد، وما أحدث في الإسلام من المساجد والمشاهد على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015