حتى في باب القضاء بل الملك ولا أقدر الآن أن أسبر أسماءهم لأن ذلك يحوج إلى كتاب على حدة إلا أني أذكر نموذجًا مما أثر عن وجهاء الشاميين وأعيانهم من هذه المكارم في القرن الماضي لأن الحاجة إلى تعريف إخواننا الشاميين مكارم سلفهم أمس بالمقام لأن الكتاب مؤلف لهم أولًا وبالذات ولغيرهم ثانيًا وبالعرض فأقول من ذلك تنازل أحد المفتين من بني المرادي في أوائل القرن الماضي عن تدريس "كتاب الهداية" في الفقه الحنفي في التكية السليمانية كل خميس من شهري رجب وشعبان للشيخ المحدث الشهير الشيخ أحمد العطار واستعاضة المذكور عن الهداية بقراءة صحيح البخاري لكون المذكور شافعيًّا، وقد عد صنيع المفتي هذا من عقله وحكمته لكون المذكور كان منقطعًا للقراءة والإقراء.

ومن ذلك تنازل السيد محمد العطار -أحد أجداد بني الحسيبي- عن تدريس صحيح البخاري تحت قبة النسر لما سعى في توجيهه عليه إلى الشيخ يوسف الشهير بابن شمس وقراءة المذكور عنه بالوكالة إلى وفاته.

ومن ذلك نزول الوجيه أحمد أفندي المنيني عن تدريس الحديث تحت قبة النسر بعد صلاة الجمعة إلى العلامة الشيخ سعيد الحلبي وقراءة المذكور عنه إلى وفاته ثم قراءة ابنه الشيخ عبد الله الحلبي بالوكالة عن ابن صاحب الوظيفة إلى أن نفي في حادثة الشام سنة 1276 المعروفة.

وذلك من نزول أبي السعود أفندي المرادي عن وظيفة الفتوى بدمشق لما وجهت عليه بعد وفاة أبيه حسني أفندي المرادي ورغبته من والي دمشق اختيار مفت وإصراره على ذلك وإباؤه أشد الإباء إلى أن اختير طاهر أفندي الآمدي وعين مفتيًا للشام.

هذا ما نحفظه ونأثره عن أشياخنا وكله مما يشف عن عقل وفضل بل وإراحة نفس من عناء ما قد لا يتفرغ له أو يكون الساخط عليه فيه أكثر من الراضي. أين هذا من التكالب والتماوت على نقل ما كان لسلفهم إليهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015