الوحدة، بعيدين كل البعد عما يفرق الكلمة، ويصدع الصفوف؛ فقد كان
فيهم - مثلاً - من يرى مشروعية الجهر بالبسملة، ومن يرى عدم مشروعيته،
وكان فيهم من يرى استحباب رفع اليدين، ومن لا يراه، وفيهم من يرى نقض
الوضوء بمس المرأة، ومن لا يراه؛ ومع ذلك؛ فقد كانوا يصلون جميعاً وراء إمام
واحد، ولا يستنكف أحد منهم عن الصلاة وراء الإمام لخلافٍ مذهبي.
وأما المقلدون؛ فاختلافهم على النقيض من ذلك تماماً؛ فقد كان من آثاره
أن تفرق المسلمون في أعظم ركن بعد الشهادتين؛ ألا وهو الصلاة، فهم يأبون
أن يصلوا جميعاً وراء إمام واحد؛ بحجة أن صلاة الإمام باطلة، أو مكروهة
على الأقل بالنسبة إلى المخالف له في مذهبه، وقد سمعنا ذلك، ورأيناه كما
رآه غيرنا (?) ، كيف لا؛ وقد نصت كتب بعض المذاهب المشهورة اليوم على
الكراهة، أو البطلان؟! وكان من نتيجة ذلك أن تجد أربعة محاريب في المسجد
الجامع، يصلي فيها أئمةٌ أربعةٌ متعاقبين، وتجد أناساً ينتظرون إمامهم بينما
الإمام الآخر قائم يصلي!
بل لقد وصل الخلاف إلى ما هو أشد من ذلك عند بعض المقلدين؛ مثاله منع
التزاوج بين الحنفي والشافعية، ثم صدرت فتوى من بعض المشهورين عند الحنفية
- وهو الملقب بـ: (مفتي الثقلين) -؛ فأجاز تزوج الحنفي بالشافعية، وعلل ذلك بقوله:
" تنزيلاً لها منزلة أهل الكتاب " (?) ! ومفهوم ذلك - ومفاهيم الكتب معتبرة
عندهم - أنه لا يجوز العكس، وهو تزوج الشافعي بالحنفية؛ كما لا يجوز تزوج
الكتابي بالمسلمة!!