وشيعة «أهل كتاب» من اليهود والنصارى. وهؤلاء أشركوا قديما بنسبة الولد إلى اللّه. كما أشركوا باتخاذ أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون اللّه - لأنهم قبلوا منهم ادعاء حق الحاكمية وقبلوا منهم الشرائع.
وإن كانوا لم يصلوا لهم ولم يسجدوا ولم يركعوا أصلا! .. ثم هم اليوم يقصون حاكمية اللّه بجملتها من حياتهم ويقيمون لأنفسهم أنظمة يسمونها «الرأسمالية» و «الاشتراكية» .. وما إليها. ويقيمون لأنفسهم أوضاعا للحكم يسمونها «الديمقراطية» و «الديكتاتورية» ... وما إليها. ويخرجون بذلك عن قاعدة دين اللّه كله، إلى مثل جاهلية الإغريق والرومان وغيرهم، في اصطناع أنظمة وأوضاع للحياة من عند أنفسهم.
وشيعة تسمي نفسها «مسلمة»! وهي تتبع مناهج أهل الكتاب هذه - حذوك النعل بالنعل! - خارجة من دين اللّه إلى دين العباد. فدين اللّه هو منهجه وشرعه ونظامه الذي يضعه للحياة وقانونه. ودين العباد هو منهجهم للحياة وشرعهم ونظامهم الذي يضعونه للحياة وقوانينهم! لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين للبشرية وانتكست البشرية بجملتها إلى الجاهلية .. شيعها جميعا لا تتبع دين اللّه أصلا .. وعاد هذا القرآن يواجه البشرية كما واجهها أول مرة، يستهدف منها نفس ما استهدفه في المرة الأولى من إدخالها في الإسلام ابتداء من ناحية العقيدة والتصور. ثم إدخالها في دين اللّه بعد ذلك من ناحية النظام والواقع .. وعاد حامل هذا الكتاب يواجه الحرج الذي كان يواجهه رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وهو يواجه البشرية الغارقة في مستنقع الجاهلية، المستنيمة للمستنقع الآسن، الضالة في تيه الجاهلية، المسسلمة لاستهواء الشيطان في التيه! .. وهو يستهدف ابتداء إنشاء عقيدة وتصور في قلوب الناس وعقولهم تقوم على قاعدة: أشهد أن لا إله إلا اللّه. وإنشاء واقع في الأرض آخر يعبد فيه اللّه وحده، ولا يعبد معه سواه. وتحقيق ميلاد للإنسان جديد، يتحرر فيه الإنسان من عبادة العبيد، ومن عبادة هواه!
إن الإسلام ليس حادثا تاريخيا، وقع مرة، ثم مضى التاريخ وخلفه وراءه .. إنه اليوم مدعو لأداء دوره الذي أداه مرة في مثل الظروف والملابسات والأوضاع والأنظمة والتصورات والعقائد والقيم والموازين والتقاليد ... التي واجهها أول مرة.