قال تعالى: «فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ. وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ» ..
والمشعر الحرام هو المزدلفة. والقرآن هنا يأمر بذكر اللّه عنده بعد الإفاضة من عرفات. ثم يذكر المسلمين بأن هذا الذكر من هداية اللّه لهم وهو مظهر الشكر على هذه الهداية. ويذكرهم بما كان من أمرهم قبل أن يهديهم: «وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ» ..
والجماعة المسلمة الأولى كانت تدرك حق الإدراك مدى وعمق هذه الحقيقة في حياتها .. لقد كانت قريبة عهد بما كان العرب فيه من ضلال .. ضلال في التصور، مظهره عبادة الأصنام والجن والملائكة، ونسبة بنوة الملائكة إلى اللّه، ونسبة الصهر إلى اللّه مع الجن .. إلى آخر هذه التصورات السخيفة المتهافتة المضطربة، التي كانت تنشئ بدورها اضطرابا في العبادات والشعائر والسلوك: من تحريم بعض الأنعام ظهورها أو لحومها بلا مبرر إلا تصور علاقات بينها وبين شتى الآلهة. ومن نذر بعض أولادهم للآلهة وإشراك الجن فيها. ومن عادات جاهلية شتى لا سند لها إلا هذا الركام من التصورات الاعتقادية المضطربة .. وضلال في الحياة الاجتماعية والأخلاقية .. تمثله تلك الفوارق الطبقية التي تشير الآية التالية في السياق: «ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ».
إلى إزالتها كما سيجيء. وتمثله تلك الحروب والمشاحنات القبلية التي لم تجعل من العرب أمة يحسب لها حساب في العالم الدولي. وتمثله تلك الفوضى الخلقية في العلاقات الجنسية، والعلاقات الزوجية، وعلاقات الأسرة بصفة عامة. وتمثله تلك المظالم التي يزاولها الأقوياء ضد الضعاف في المجتمع بلا ميزان ثابت يفيء إليه الجميع .. وتمثلها حياة العرب بصفة عامة ووضعهم الإنساني المتخلف الذي لم يرفعهم منه إلا الإسلام.
وحين كانوا يسمعون: «وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ» ..
كانت ولا شك تتواكب على خيالهم وذاكرتهم ومشاعرهم صور حياتهم الضالة الزرية الهابطة التي كانت تطبع تاريخهم كله ثم يتلفتون على أنفسهم ليروا مكانهم الجديد الذي