وليست هذه كلمة تقال، ولكنها مرتقى عال، لا يصل إليه القلب إلا بلمسة لدنية مباشرة تفتحه على هذا الأفق السامي الوضيء الذي يخلص فيه من جاذبية الذات وحبها المتوشج بالحنايا والشعاب. فإن الإنسان ليحب ذاته ويحب كل ما يتعلق بها حبا فوق ما يتصور، وفوق ما يدرك! وإنه ليخيل إليه أحيانا أنه طوّع مشاعره، وراض نفسه، وخفض من غلوائه في حب ذاته، ثم ما يكاد يمس في شخصيته بما يخدش اعتزازه بها، حتى ينتفض فجأة كما لو كانت قد لدغته أفعى! ويحس لهذه المسة لذعا لا يملك انفعاله معه، فإن ملكه كمن في مشاعره، وغار في أعماقه! ولقد يروض نفسه على التضحية بحياته كلها ولكنه يصعب عليه أن يروضها على تقبل المساس بشخصيته فيما يعده تصغيرا لها، أو عيبا لشيء من خصائصها، أو نقدا لسمة من سماتها، أو تنقصا لصفة من صفاتها. وذلك رغم ما يزعمه صاحبها من عدم احتفاله أو تأثره!
والتغلب على هذا الحب العميق للذات ليس كلمة تقال باللسان، إنما هو كما قلنا مرتقى عال لا يصل إليه القلب إلا بلمسة لدنية أو بمحاولة طويلة ومرانة دائمة، ويقظة مستمرة ورغبة مخلصة تستنزل عون اللّه ومساعدته. وهي الجهاد الأكبر (?) كما سماه رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - ويكفي أن عمر - وهو من هو - قد احتاج فيها إلى لفتة من النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت هي اللمسة التي فتحت هذا القلب الصافي .. (?)