إن هذه الأصنام لا تسمع ولا تضر ولا تنفع. ولكنا وجدنا آباءنا يعكفون عليها، فعكفنا عليها وعبدناها! وهو جواب مخجل. ولكن المشركين لم يخجلوا أن يقولوه، كما لم يخجل المشركون في مكة أن يفعلوه. فقد كان فعل الآباء لأمر كفيلا باعتباره دون بحث بل لقد كان من العوائق دون الإسلام أن يرجع المشركون عن دين آبائهم، فيخلوا باعتبار أولئك الآباء، ويقروا أنهم كانوا على ضلال. وهذا ما لا يجوز في حق الذاهبين! وهكذا تقوم مثل هذه الاعتبارات الجوفاء في وجه الحق، فيؤثرونها على الحق، في فترات التحجر العقلي والنفسي والانحراف التي تصيب الناس، فيحتاجون معها إلى هزة قوية تردهم إلى التحرر والانطلاق والتفكير.

وأمام ذلك التحجر لم يجد إبراهيم - على حلمه وأناته - إلا أن يهزهم بعنف، ويعلن عداوته للأصنام، وللعقيدة الفاسدة التي تسمح بعبادتها لمثل تلك الاعتبارات! «قالَ: أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ؟ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ» ..

وهكذا لم يمنعه أن أباه وأن قومه يعبدون ما يعبدون، أن يفارقهم بعقيدته، وأن يجاهر بعدائه لآلهتهم وعقيدتهم، هم وآباؤهم - وهم آباؤه - الأقدمون! وكذلك يعلم القرآن المؤمنين أن لا مجاملة في العقيدة لوالد ولا لقوم وأن الرابطة الأولى هي رابطة العقيدة، وأن القيمة الأولى هي قيمة الإيمان. وأن ما عداه تبع له يكون حيث يكون. (?).

وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ» .. ذلك على الرغم مما لقيه إبراهيم - عليه السّلام - من أبيه من غليظ القول وبالغ التهديد. ولكنه كان قد وعده أن يستغفر له، فوفى بوعده. وقد بين القرآن فيما بعد أنه لا يجوز الاستغفار للمشركين ولو كانوا أولي قربى وقرر أن إبراهيم استغفر لأبيه بناء على موعدة وعدها إياه «فلما تبين له أنه عدو للّه تبرأ منه» وعرف أن القرابة ليست قرابة النسب، إنما هي قرابة العقيدة .. وهذه إحدى مقومات التربية الإسلامية الواضحة. فالرابطة الأولى هي رابطة العقيدة في اللّه، ولا تقوم صلة بين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015