. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وعين، ورؤيا البصيرة، لا تستدعى حصر المرئى، بل يرى شرقا وغربا، وأرضا وسماء، كما ترى الصورة فى مرآة قابلتها، وليس جرمها مستقبلا لجرمه، فاختلاف رؤيته، كأن يراه إنسان شيخا، أو آخر شابا فى حالة واحدة، كاختلاف الصورة الواحدة فى مرآة مختلفة الأشكال والمقادير، فيكبر ويصغر ويعوج ويطول فى الكبيرة والصغيرة والمعوجة والطويلة، وبهذا علم جواز رؤية جماعة له فى آن واحد من أقطار متباعدة وأوصاف مختلفة. وقد أجاب عن هذا أيضا البدر الزركشى، بأنه صلى الله عليه وسلم سراج ونور الشمس فى هذا العالم، مثال نور فى العوالم كلها، فكما أن الشمس يراها كل من فى الشرق والغرب فى ساعة واحدة، وبصفات مختلفة، كذلك هو صلى الله عليه وسلم. ومن الغلو والحماقة كما قاله ابن العربى فى قول بعضهم: أن الرؤيا فى النوم بعين الرأس. وعن بعض المتكلمين: أنها مدركة بعينين فى القلب وأنه ضرب من المجاز.
تنبيه: حكى ابن أبى جمرة والمازرى واليافعى وغيرهم عن جماعات من الصالحين، أنهم رأوا النبى صلى الله عليه وسلم يقظة. وذكر ابن أبى جمرة عن جمع: أنهم حملوا ذلك رواية:
«فسيرانى فى اليقظة» وأنهم رأوه نوما فراؤه بعد ذلك يقظة، وسألوه عن تشويشهم من أشياء فأخبرهم بوجوه تفريجها فكان كذلك بلا زيادة ولا نقص. قال: ومنكر ذلك إن كان ممكن يكذب بكرامات الأولياء، فلا بحث معه، لأنه يكذب بما أثبتته السنة، وإلا فهذه منها إذ يكشف لهم بخرق العادة عن أشياء فى العالم العلوى والسفلى. وحكيت رؤيته صلى الله عليه وسلم كذلك عن أمثال الإمام عبد القادر الجيلانى كما فى عوارف المعارف، والإمام أبى الحسن الشاذلى كما حكاه عنه التاج بن عطاء الله، وكصاحبه الإمام أبى العباس المرسى، والإمام على الوفائى، والقطب القسطلانى، والسيد نور الدين الإيجى، وجرى على ذلك الغزالى فقال فى كتابه المنقذ من الضلال: وهم يعنى: أرباب القلوب، فى يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء، ويسمعون منهم أصواتا، ويقتبسون منهم فوائد انتهى. وأنكر ذلك جماعة منهم الأهذل اليمنى حيث قال: القول بذلك يدرك فساده بأوائل العقول، لاستلزامه خروجه من قبره، ومشيه فى الأسواق، ومخاطبتة للناس ومخاطبتهم له، وخلو قبره عن جسده المقدس، فلا يبقى منه شىء حيث يزار مجرد القبر ويسلم على غائب أشار لذلك القرطبى فى الرد على القائل، بأن الرائى له فى المنام حقيقة، ثم يراه كذلك فى اليقظة، قال: وهذه جهالات لا يقول بشىء منها من له أدنى