بالمربد وجدوا هذا المكان، فقالوا: ما هذه؟ هذه البصرة. فساروا حتّى إذا بلغوا حيال الجسر الصغير. فقالوا: ههنا أمرتم، فنزلوا فذكروا الحديث بطوله.
قال: فقال عتبة بن غزوان: لقد رأيتنى وإنّى لسابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشّجر حتّى تقرّحت أشداقنا. فالتقطت بردة فقسمتها بينى وبين سعد بن أبى وقّاص، فما منّا من أولئك السّبعة أحد إلا وهو أمير مصر منّ الأمصار، وستجربون الأمراء بعدنا».
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وبه سمى مربد البصرة، وفى القاموس أصله الحبس من ربده حبسه، وهو الموضع الذى تحبس فيه الإبل أو يجمع فيه الرطب حتى يجف. (الكذان): بالمعجمة حجارة رخوة بيض كأنها مدر ونونه أصليه أو زائدة. (فقالوا): أى قال بعضهم لبعض. (ما هذه): أى ما اسم هذه الأرض. (هذه البصرة): أى قالوا كما فى نسخة، والبصرة: لغة الحجارة الرخوة (حيال) بمهملة فتحتية أى: مقابل (أمرتم) أى: بالمقام فيه حفظا له عن عد وتحرك لأخذه. (فذكروا): فيه إطلاق الجمع على ما فوق الواحد، وهما خالد وشويس وفى نسخة: «فذكروا»: أى محمد بن بشار. (بطوله): لم يذكره لأنه لا غرض لمد إلا الكلام فى عيشه ما يدل على ضيق عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم المناسب للباب. (رأيتنى):
بصرته. (لسابع سبعة): أى واحد من سبعة جعل نفسه سابعا لأنه يتبع الستة لكن تعينه قوله لأنى بينى وبين سبعة أنه ثامن، ويؤيده مذهب ابن عباس أن يوم عاشوراء هو تاسع الشهر كما تقتضيه اللغة، فقياسه أن الناس تسمى سابع سبعة، لكن قوله «أولئك السبعة» يدل للأول، وأن المراد بقوله بينا وسبعة أى: وبقية سبعة. (تقرحت): أى طلع فيها قروح. (حتى صارت كأشداق الإبل): كما فى رواية القصة السابقة له. (فالتقطت بردة): أى عثرت عليها من غير قصد وطلب، وهى شملة مخططة، وقيل: كساء أسود مربع. (وبين سبعة): فيه دليل لضيق عيشهم وعيشه صلى الله عليه وسلم كما مر. (الأمراء بعدى):
إخبار بأن من بعدهم من الأمراء ليسوا مثلهم فى العدل والديانة والإعراض عن الدنيا، وكان الأمر كذلك، وأشار للفرق بأنهم رأوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان سببا لرياضتهم وتقللهم من الدنيا، فمضوا على ذلك بعده وغيرهم من بعدهم ليسوا كذلك، فلا يكونون إلا على قضية طباعهم المجبولة على الأخلاق القبيحة، وأبدى بعضهم هنا ما لا ينفع فاحذره.