ولا يتكلّم إلا فيما رجا ثوابه، وإذا تكلّم أطرق جلساؤه كأنّما على رءوسهم الطّير، فإذا سكت تكلّموا، لا يتنازعون عنده الحديث، من تكلّم عنده أنصتوا له حتّى يفرغ. حديثهم عنده حديث أوّلهم. يضحك ممّا يضحكون، ويتعجّب مما يتعجّبون، ويصبر للغريب على الجفوة فى منطقه ومسألته، حتّى إن كان أصحابه

ـــــــــــــــــــــــــــــ

الظاهرة التى ترتبط بها مصالح وأحكام شرعية كما قدمته، وهذا فى التجسيس، والاطلاع على العورات وهذا لم يقع منه صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وَلا تَجَسَّسُوا (?).

(رجاء ثوابه): أثره على ثياب عليه لأنه أليق بالأدب، إذ لا يتحتم على الله إثابة أحد وإن بلغ ما بلغ من العظم. (أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير): كناية عن كونهم عنده كانوا على غاية تامة من السكون، وإطراق الرأس، وعدم الحركة والالتفات، أو عن كونهم مهابين مدهوشين فى هيبته صلى الله عليه وسلم ما إن كلامه عليه أهبة الوحى، وجلالة الرسالة، وأصل ذلك، أن سليمان كان إذا أمر الطير بأن يظلوا أصحابه، غضوا أبصارهم، ولم يتكلموا حتى يسألهم، مهابة منه، قيل للقوم إذا سكتوا مهابة: كأنما على رؤسهم الطير، أو عن كونهم متلذذين بكلامه، وأصل ذلك: أن الغراب يقع على رأس البعير، يلقط منه صغار القراد، فيسكن سكون راحة ولذة، لا يحرك رأسه، خوفا من طيرانه عنه. (وإذا سكت تكلموا): هذا كالذى قبله وبعده، من عظيم أدبهم فى حضرته وخضوعهم بين يديه وإجلالهم له وهيبته عندهم وتوقيرهم له، لشهودهم على شأنه، وكمال مرتبته صلى الله عليه وسلم، وتخلقهم بأخلاقه. (لا يتنازعون عنده الحديث): أى لا يتخاصمون فيه. (حديثهم عنده حديث أولهم): أى أفضلهم، إن كان لا يتقدم غالبا بالكلام بين يديه، إلا أكابر الصحابة فكان يصغى لحديث كل منهم، كما يصغى لحديث أولهم، ويحتمل أن المراد: إذا تكلم بشىء قبله منه، وعلم أنهم موافقوه عليه غالبا لمن من الله به عليهم من تألف قلوبهم، وكمال اتفاقها. (يضحك) إلخ: أى هو تابع لهم ضحكا وتعجبا، لكن علم مما مر أن غالب ضحكه التبسم، وهذا من خلقه العظيم على الجفوة هى الجفاء، والغلظة، وسوء الأدب، مما كان يصدر من جفاة العرب فى منطقهم ومسألتهم. (ليستجلبونهم): أى إلى مجلسه حتى يستفيدون من أسئلتهم ما لا يستفيدونه فى غيبتهم، لأنهم ح يهابون سؤاله والغرباء لا يهابونه، فيسألونه عما بدا لهم فيجيبهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015