إسحاق، عن أبى عبد الله الجدلى، واسمه عبد بن عبد، عن عائشة أنها قالت:
«لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا، ولا متفحّشا، ولا صخّابا فى الأسواق ولا يجزى بالسّيّئة، ولكن يعفو ويصفح».
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فحش فى أقواله وأفعاله، وهو ما يخرج عن مقداره حتى يستقبح، واستعماله فى القول أكثر منه فى الفعل والصفة. (ولا متفحشا) أى متكلفا للفحش من ذلك، وهذا من عظيم فصاحة عائشة وبلاغتها وسعة علمها وفقهها، فإنها نفت عنه صلى الله عليه وسلم قول الفحش والتفوه به طبعا وتكلفا. (ولا صخابا) من الصخب بالصاد والخاء محركة، وهو الضجر واضطراب الأصوات للخصام. (فى الأسواق) لأنه ليس ممن يتنافس فى الدنيا وجمعها حتى يحضر الأسواق لذلك، فذكر، إما لكونها محل ارتفاع الأصوات لذلك، لا لإثبات الصخب فى غيرها، أو لأنه إذا انتفى فيها انتفى فى غيرها بالأولى، والمراد بالمبالغة هنا:
فى أصل الفعل على حد قوله تعالى: وَمارَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ وفى الآية أجوبة أخرى ذكرتها فى شرح همزية صاحب بردة المديح، ولكن وجهه أن ما قبل لكن ربما يتوهم أنه ترك الجزاء عجزا فاستدركه بذلك. (يعفو) بباطنه. (ويصفح) يعرض بظاهره امتثالا لقوله تعالى: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاِصْفَحْ إِنَّ اَللهَ يُحِبُّ اَلْمُحْسِنِينَ وحسبك عفوه عن أعدائه المحاربين له المبالغين فى أذاه حتى كسروا رباعيته، وشجوا وجهه يوم أحد، فشق ذلك على أصحابه فقالوا: لو دعوت عليهم، فقال: «إنى لم أبعث لعّانا ولكن بعثت داعيا ورحمة اللهم اغفر لقومى» أو «اهد قومى فإنهم لا يعلمون» أى اغفر لهم ذنب الشجة لا مطلقا، وإلا لأسلموا، قاله ابن حبان، وانظر لجميل العفو مع قوله يوم الخندق: «شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، اللهم املأ بطونهم نارا» لأن ذلك حقه فعفى عنه، وهذا حق الله، فلم يعف عنه، إذ عفوه وصفحه، إنما كان فيما يتعلق بحقه، وقد روى الطبرانى، وابن حبان، والحاكم، والبيهقى عن أحد أحبار اليهود الذين أسلموا أنه قال: «لم يبق من علامة النبوة شىء، إلا وقد عرفته فى وجه محمد صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه، إلا اثنتين لم أخبرهما منه يسبق حلمه جهله، أى: لو تصور منه جهل، أو مراده بالجهل الغضب ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما فكنت أنظر به، لأن أخالطه فأعرف حلمه وجهله، فابتعت منه تمرا إلى أجل فأعطيته الثمن، فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة أتيته، فأخذت بمجامع قميصه، ونظرت إليه بوجه غليظ ثم قلت: ألا تقضى يا محمد حقى، فو الله إنكم يا بنى عبد المطلب مطل، فقال