. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــ

باب خاتم النبوة. (أفلا) الفاء للسببية عن محذوف أى: أترك الكلفة نظرا إلى عمدة المغفرة «أفلا أكون عبدا شكورا» لا بل ألزمها وإن غفر لى لأكون عبدا شكورا فالمعنى أن المغفرة سبب لكون ذلك التكليف شكرا فكيف أتركه؟ بل أفعله لأكون مبالغا فى الشكر بحسب الإمكان البشرى لحظر تلك النعمة العظيمة ومن ثمة أتى بلفظ العبودية لأنها أخص أوصافه ولذا ذكرها الله فى أعلى المقامات وأفضل الأحوال إذ هى تقتضى صحة النسبة المستلزمة للقيام على الخدمة وهو الشكر إذ العبد لحظ كونه عبدا، أو أن مالكه مع ذلك أنعم عليه بما لم يكن فى حسابه علم تأكد وجوب الشكر والمبالغة فيه عليه ولحيازة سائر أنواع الشرف وما قررته، ومعنى «أفلا»: واضح جلى وإن زعم زاعم أنه متكلف وأن التقدير الأولى إذا أنعم علىّ بالإنعام الواسع «أفلا أكون عبدا شكورا» أى: يصير هذا الإنعام سببا لخروجى عن دائرة المبالغين فى الشكر، والاستفهام للإنكار سببه مثل هذا الإنعام لعدم كونه عبدا شكورا. انتهى. وأنت خبير بأن هذا هو الذى فيه التكلف ويصح أن يكون التقدير أيضا: غفر لى ما تقدم وما تأخر لعلمه بأن أكون مبالغا فى عبادته فأكون عبدا شكورا أفلا أكون كذلك؟ وهذا أقرب من الأول وقد ظن من سأله عن سبب تحمله للمشقة فى العبادة أن سببها إما خوف الذنب أو رجاء المغفرة فأفادهم أن لها سببا آخر أتم وأكمل، هو الشكر على التأهل لها مع المغفرة، وأجر النعمة، ونفى الشكر نفى الاعتراف بالنعمة، والقيام فى الخدمة ببذل المجهود، فمن أدام ذلك كان شكورا، وقليل ما هم، ومن ثم قال تعالى. وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ اَلشَّكُورُ (?) ولم يفز بكمال هذه المرتبة غير نبينا صلى الله عليه وسلم ثم سائر الأنبياء، وإنما ألزموا أنفسهم بذلك من الجد فى العبادة وعظيم الخشية لعلمهم بعظيم نعمة ربهم عليهم ابتدأهم بها منه وفضلا من غير سابقة توجب استحقاقها أداء لبعض الشكر وإلا فحقوقه تعالى أعظم من أن يقوم بها أحد من خلقه، وفى هذه الأحاديث ينبغى تشمير ساق الجد فى العبادة، وإن أدى إلى كلفة، لأنه صلى الله عليه وسلم إذا فعل ذلك مع علمه بما سبق له فكيف ممن لم يعلم ذلك فضلا عمن لا يأمن النار؟ نعم محل ذلك؛ إن لم يفض إلى الإملال، وإلا فالأخذ بما لا يفضى إليه أولى للخبر الصحيح «عليكم من الأعمال ما تطيقونه، فإن الله لا يمل حتى تملوا» (?)،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015