236 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا سفيان، حدثنا أبو إسحاق، عن البراء بن عازب قال:
قال له رجل: أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا عمارة؟ فقال: لا، والله ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن ولّى سرعان النّاس، تلقّتهم هوازن بالنّبل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته، وأبو سفيان بن عبد المطّلب آخذ بلجامها. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنا النّبىّ لا كذب. أنا ابن عبد المطّلب».
ـــــــــــــــــــــــــــــ
236 - (رجل) جاء أنه من قيس لكن لم يعرف اسمه. (لا) أى لم نفر جميعا، بل فر بعضنا، وبقى بعضنا، ثم أكد بقاء البعض بقوله: (ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم) ويلزم من بقائه بقاء طائفة معه، لما جبلوا عليه من إيثارهم نفسه الكريم على نفوسهم، وهذا من بديع أدب البراء رضى الله عنه، وبلاغته لأن الاستفهام ربما يتوهم منه، وإن دفع ذلك التوهم بتعبير السائل يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه هو معهم، وزاد فى التأدب بنفى التولى دون الفرار نزاهة لمقامه الرفيع عن أن يستعمل فيه لفظ الفرار فى النفى، فضلا عن الإثبات لأنه أشنع من لفظ التولى، إذ هو يكون لتميز أو تحرف بخلاف الفرار، فإنه لا يكون إلا للخوف والجبن غالبا وإلا ففرار الصحابة هنا لم يتمحض لذلك قطعا، ومن ثمة قال الطبرانى هنا: الانهزام المنهى عنه هو ما وقع على غير نية العود، وأما الاستطراد للكثرة فهو كالمتحيز إلى فئة، ويحتمل أن البراء أشار إلى قيام الحجة الواضحة والبينة الظاهرة على عدم فرار أكابر الصحابة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يقع منه تولّ فهم كذلك لمثابرتهم على بذلهم نفوسهم وعلمهم بأن الله تعالى لا يخذله، وأنه يعصمه من الناس، ولا ينافى ذلك ما فى مسلم عن سلمة بن الأكوع، «من قوله: فارجع منهزما. . . إلى قوله: مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما فقال: لقد رأى ابن الأكوع