. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وكأنهم قصدوا بذلك، إما السؤال عن المداعبة هل هى من خواصه، فلا يتكلمون به؟ فبين لهم أنها ليست من خواصه، وأن جوازها منوط بقول الحق، وأما استبعادهم وقوع المزاح منه صلى الله عليه وسلم لجليل مكانته، وعظم مرتبته، فكأنهم سألوه عن حكمته فأجابهم، وهذا أولى من قول الطيبى، فكأنهم أنكروه فرد عليهم من باب القول بالموجب بأن المداعبة لا تنافى الكمال، بل هى من توابعه وتتماته إذا كانت جارية على القانون الشرعى بأن نكون على وفق الصدق والحق، وبقصد تألف قلوب الضعفاء، وخيرهم، وإدخال غاية السرور والرفق عليهم والمنهى عنه منها كما فى حديث الترمذى فى جامعه وقال: غريب «لا تمار أخاك ولا تمازحه ولا تعده موعدا فتخلفه» (?) إنما هو الإفراط فيها والمدوامة عليها، لأنه بررت كثرة الضحك، وقسوة القلب، والإعراض عن ذكر الله، وعن التفكر فى مهمات الدين، بل ربما يأول كثرته إلى إيذاء ويورث حقدا، وربما يسقط المهابة والوقار ومزاحه صلى الله عليه وسلم سالم من جميع هذه الأمور، ويقع منه على جهة الندرة لمصلحة تامة من مؤانسة بعض أصحابه فهو بهذا القصد سنة، وما قيل: الأظهر أنه مباح لا غير فضعيف، إذ الأصل فى أفعاله وجوبا أو ندبا التأسى به فيها إلا لدليل يمنع من ذلك، ولا دليل هنا يمنع منه، فتعين الندب كما هو مقتضى كلام الفقهاء والأصوليين، وهذا الحديث حسنه المصنف، وقال: رجاله موثوقون، هذا وقد ألقى الله سبحانه عليه غاية المهابة ولم يؤثر فيه مزاحه، ولا مداعبته، «فقد قام رجل بين يديه فأخذته رعدة شديدة ومهابة فقال: هون عليك، فإنى لست بملك ولا جبار، إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد بمكة فنطق الرجل بحاجته فقام صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس إنى أوحى إلى أن تواضعوا ألا فتواضعوا لا يبغى أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد كونوا عباد الله إخوانا» (?)، وروى مسلم عن عمرو بن العاص صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما ملأت عينى قط حياء منه وتعظيما، ولو قيل لى: صفه لما قدرت» فإذا كان هذا حاله، وهو من أجلاء أصحابه، فما ظنك بغيرهم، ومن ثمة لولا مزيد تألفه ومباسطته لهم لما قدر أحد منهم أن يجتمع به هيبة وفرقا منه سيما عقب ما كان يتجلى عليه من مواهب القرب وعوائد الفضل، لكن كان لا يخرج إليهم بعد ركعتى الفجر، إلا بعد الكلام مع عائشة،