الكافر بالحرج وجعله ذلك هو الأصل. فهذا اشتقاق في القرآن عن عمر رضوان الله تعالى عليه في حكاية نفطويه عنه. ولو أن ذلك الغلام الأعرابي سمع صفة القلب ضيقًا حرجًا لفهمه للأصل المتقدم عندئذ لم يستنكره، ولا احتاج إلى السؤال إلى معناه كما احتاج إليه عمر رضي الله عنه. ويجوز أن يكون عمر عالمًا بذلك فأراد زيادة بيان علمه، ويجوز أن يكون غير عالم به فقد قال للنبي صلى الله عليه وسلم في أشياء من اللغة لم يعرفها ففسرها له.
وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ما علمت معنى فاطر السموات حتى اختصم أعرابيان في بئر فقال أحدهما: أنا والله فطرتها.
وقال نفطويه أيضًا في قوله عز وجل: {فإن للذين ظلموا ذنوبًا مثل ذنوب أصحابهم} أي: لهم نصيب من الحياة كما كان لمن قبلهم فلا يستعجلون. فإن لهم أمدًا وغاية ينتهون إليها.
قال نفطويه: والذنوب: النصيب عند العرب، ولذلك قيل للدلو ذنوب لأن فيها حظًا من الماء ونصيبًا، وهذا هو الاشتقاق كما ترى.
وقال أيضًا في قوله عز وجل: {من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ} قال: الكيد: الحيلة والاجتهاد وبهذا قيل للحرب كيد لأن فيها الحيلة والاجتهاد. ويقال: «تركته يجود بنفسه ويكيد بنفسه». وهذا اشتقاق متعسف فيه أيضًا وما أظن كثيرًا من أصحاب الاشتقاق يتعسفون فيه هذا التعسف. فكيف يكون القائل بهذا القول منكرًا للاشتقاق؟ وهذا كتاب له في القرآن كبير مشهور، وهو الموضع الذي سبيل الكلام فيه أن يكون بالحقائق، وبما يعتقد صحته دينًا ومذهبًا وسماعًا، فقد تكلم فيه من أوله إلى آخره بالاشتقاق في المواضع التي ساغ له فيها الاشتقاق.