يُقال: إذا كانت حروف الخفض صلات للأفعال وما تضمن معانيها فلم صارت حروف تتقدم وتتأخر إلا رب وحدها فإنها لا تقع إلا أولاً أبدًا، ألا ترى أنك تقول: «مررت بزيد»، «وبزيد مررت»، «ودخلت إلى أخيك»، «وإلى أخيك دخلت»، وكذلك سائر الحروف تتقدم وتتأخر إلا رب فإنها تكون في أول الكلام كقولك: «رب رجل جاءني»، ولو قلت «جاءني رب رجل» لم يجز، فما العلة في ذلك؟
الجواب في ذلك أن يقال: إن حروف الخفض إنما جاز تقديمها وتأخيرها لأنها صلات للأفعال والأسماء المشتقة منها، وإذا تصرف العامل تصرف المعمول فيه وما اتصل به. ورب ليست بصلة فعل ولا شيء متضمن معناه فلذلك لزمت موضعًا واحدًا لأن تأويلها أن تدل على الشيء الذي يقل وقوعه ولا يكون بعدها إلا ما يدل على أكثر منه.
وليس وقوع الشيء قليلاً هو الشيء الواقع ألا ترى أنك إذا قلت: رب رجل مررت به، فليست رب صلة مررت إنما الموصل لمررت [إلى]
ضمير الرجل الباء المتصلة بالهاء، ولا رب أيضًا صلة فعل مقدر قبلها ولا بعدها فلزمت مكانًا واحدًا لذلك، وخص بها أول الكلام كما خصصت حروف الجزاء وألف الاستفهام. وكذلك إذا قلت: «رب رجل قصدني» «ومر بي» فليس رب بموصلة للقصد والمرور إلى الرجل. ألا ترى أن المرور متصل بالباء، والقصد غير محتاج إلى حرف يوصله إلى الفعل. والدليل على ذلك وقوعها كما ترى قبل الأفعال التي لا تحتاج إلى حروف الخفض نحو «ضربت» و «قصدت» و «ظننت»، وما أشبه ذلك كقولك: «رب رجل ضربته»، «ورب رجل أعطيته درهمًا» وما أشبه ذلك.
وليست تقع حروف الخفض غير رب إلا بعد الأفعال المحتاجة إلى حروف الخفض لتوصلها إلى ما بعدها، وهذا بين واضح.
فإن قال قائل: فإذا لم تكن صلة فعل كسائر حروف الخفض فلم خفض بها؟.
قيل له: خفض بها لإضافتها المعنى الذي ذكرناه إلى المذكور بعدها ولم يجز رفع ما بعدها لأن رفع الاسم إنما يكون بمعنى الحديث عنه، وليس ما بعد رب بمحدث عنه