ترى أن معنى قولنا «ما أحسن زيدًا» «زيد حسن جدًا»، وكذلك «ما أعلم محمدًا» تأويله «محمد عالم جدًا»، وكذلك جميع التعجب هكذا مجراه في الحقيقة. ولذلك أجمع النحويون البصريون والكوفيون أنه لا يتعجب إلا من الفاعل ولا يتعجب من المفعول، ولم يأت ذلك في شيء من كلام العرب إلا في ثلاثة أحرف، في قولهم: «ما أزكمه» «وما أجنه»، «وأحمه» من الزكام، والجنون، والحمى لما كان لا يستعمل فعله إلا بلفظ ما لم يسم فاعله فقيل: «زكم»، «وجن»، «وحم»، ولم يذكر معه الفاعل صار كأنه فاعل لفظًا فوقع به التعجب، فإذا كان المتعجب منه فاعلاً في الحقيقة فجائز أن يقال «ما أكبر الله» «وما أعظم الله» والمعنى: «الله كبير جدًا» «وعظيم جدًا». ويكون التقدير في العربية على ما ذكره المبرد لفظًا.
والكوفيون يدفعون هذا المذهب في التعجب على البصريين وتابعهم على ذلك الأصمعي لضعفه كان في النحو، وأدخل على البصريين «ما أعظم الله» «وما أكبر الله» وشرحه على ما ذكرت لك.
ويقال: «أكبرت الشيء»: وجدته كبيرًا، «واستكبرت الشيء»: استعظمته «واستكبر الإنسان استكبارًا»: أي تعظم، وكما قال: {واستكبروا استكبارا}.
والكبير من كل شيء: ضد الصغير، وكذلك الأصغر: ضد الأكبر وتقول العرب: ورث فلان المجد عن آبائه كابرًا عن كابر: أي كبيرًا عن كبير، «وسادوه كابرًا عن كابر» كذلك. ويقال: «زيد أكبر من عمرو» «والزيدان أكبر من عمرو» «والزيدون أكبر من عمرو» وكذلك يقال في المؤنث بهذا اللفظ: «هند أكبر من زينب»، «والهندان أكبر من الزينبين»، «والهندات أكبر من الزينبات» يكون بلفظ واحد للواحد والاثنين والجمع والمؤنث والمذكر على حال واحدة، وكذلك جميع باب «أفعل» للتفضيل نحو قولك: «أفضل» «وأكرم» «وأشرف»، وما أشبه ذلك.
قال الأخفش: إنما كان موحدًا لأنه بمعنى البعض، فكما لا يثنى البعض ولا يجمع في قولك: «زيد بعض القوم»، «والزيدان بعض القوم»، «والزيدون بعض القوم» كذلك فعل بما كان في معناه.