فقد كشف لك عن معنى الغنى، وأوضحه ألا ترى أنه قال: «أني عنه في سعة وفي غنى غير أني لست ذا مال» فقد عرفك أنه غني وهو غير ذي مال. فليس الغني بالمال فقط وكم من ذي مال مكثر لا يتصرف فيه ولا يستغني به ويتصدى لمعروف من هو دونه في اليسار، ويتضرع إليه فيصير هو الفقير وإن كان ذا مال، والمسؤول غنيًا وإن كان دونه في اليسار.
وأهل اللغة مجمعون على أن الغني من اليسار، وكثرة المال مقصور مكسور الأول، وأن الغناء من الصوت ممدود مكسور الأول، وأن الغناء بمعنى النفع ممدود مفتوح الأول، يقال: «فلان قليل الغناء عنك»، أي قليل النفع. قال الشاعر:
نقل غناء على مالك ... إذا الحرب شبت بأجدالها
وربما جاء الغني من الجدة واليسار في الشعر ممدودًا ضرورة، وذلك عند الكوفيين جائز للشاعر استعماله ضرورة أعني مد المقصور، ولا يجيزه البصريون. وأنشد الكوفيون:
سيغنيني الذي أغناك عني ... فلا فقر يدوم ولا غناء
فمد الغني كما ترى، وكان الزجاج ينشده «ولا غناء» بفتح أوله ويخرجه إلى معنى النفع، وقال: «النفع غير خارج عن معنى الغنى» وليس هذا بشيء لأن بين الغنى في اليسار والنفع بونًا بعيدًا.