ان قلت: تذييل "الرحمن" الدال على النِعَمِ العظيمة بـ "الرحيم" الدال على النعم الدقيقة يكون صنعة التدلّي. والبلاغة في صنعة الترقِّي من الادنى الى الاعلى؟
قلت: تذييلٌ للتتميم كالاهداب للعين واللجام للفرس.. وايضا لما توقفت العظيمةُ على الدقيقة، كانت الدقيقة ارقى كالمفتاح للقفل واللسان للروح.. وايضا لما كان هذا المقام مقام التنبيه على مواقع النِعَمِ كان الأخفى أجدر بالتنبيه، فيكون صنعةُ التدلِّي في مقام الامتنانِ والتعدادِ صنعةَ الترقِّي في مقام التنبيه.
ان قلت: "الرحمن" و"الرحيم" كامثالهما بمبادئها محالٌ في حقه تعالى كرقَّةِ القلب. وان اُريد منها النهايات 1 فما حكمة المجاز؟
قلت: هي حكمة المتشابهات 2؛ وهي التنزلات الالهية الى عقول البشر؛ لتأنيس الاذهان وتفهيمها، كمن تكلم مع صبيّ بما يألفه ويأنس به. فان الجمهور من الناس يجتنون معلوماتهم عن محسوساتهم ولا ينظرون الى الحقائق المحضة الا في مرآة متخيلاتهم ومن جانب مألوفاتهم.. وايضا المقصود من الكلام: افادةُ المعنى، وهي لاتتم الا بالتأثير في القلب والحس، وهو لايحصل الا بإلباس الحقيقة اسلوبَ مألوف المخاطب وبه يستعد القلب للقبول.
(الحَمْدُ)
وجه النظم مع ما قبله: ان "الرحمن" و"الرحيم" لما دلّتا على النِعَم استوجبتا تعقيب الحمد. ثم ان (الحمد لله) قد كُرِّرَت في أربع سُوَرٍ من القرآن 3، كل واحدة منها ناظرة الى نعمة من النعم الاساسية التي هي: النشأة الاولى، والبقاء فيها؛ والنشأة الاُخرى، والبقاء بعدها. 4