بحبالها، قام "معرض دمشق وسوقها" وأعلن في أقطار الشرق موعد افتتاحه! فاعجب إن كنت عاجبا لهذه الأمة الكريمة التي تنبض عروقها قوة غريبة وحيوية عنيفة، إنها لم تشغلها مصيبة عن واجب؛ فما أهاب بها الداعي حتى هبت هبة واحدة تنظم معرضها وتمده بكل ما في بقاع الوطن من تحفة فريدة في بابها. وزحفت صناعات الشام تتمثل في المعرض للعالمين، وازدهى هذا المعرض بعبقرية الوطن تتجلى في الفكر الخصب, واليد الصناعة.
افتتح المعرض مساء الأحد الحادي والثلاثين من حزيران سنة 1936م، في مدرسة التجهيز الجديدة، حيث أجمل بقعة في دمشق وأنزهها وأحفلها بآثار العرب في القديم والحديث. فصروح الجامعة السورية الحديثة وبناء دار الآثار ونزل "خوام" عن يمين بردى ... إلى جانب القباب الأثرية والمآذن الشاهقة، تلك تقفك على نشاط العربي ابن العصر العشرين, وهذه تذكرك بعنفوان مجده في القديم.
ومن غريب الاتفاق أن تقوم معارض دمشق الثلاثة، في المجمع العلمي العربي "كان", والجامعة السورية, ومدرسة التجهيز؛ أكبر المعاهد العلمية وأعودها بالخير على البلاد، لتثير في الناس أثرين مزدوجين، يرتبطان أشد الارتباط ولا ينفكان, مرتبطين أبدا أو يفنيان معا: عبقرية الفكر وعبقرية اليد. لا تقوم حضارة على علم وحده ولا على صناعة وحدها، ولا بد من الاثنين معا. وقد فهمنا هذه الظاهرة وأخذنا في العمل لتحقيقها، وقطعنا في هذا أشواطا نسأل الله أن يرعاها بعنايته حتى نبلغ بها الغاية.