ومائة، وصرف في بنائها أربعة ملايين وثمانمائة ألف درهم. وكانت وفاته في سنة 158 ثمان وخمسين ومائة هجرية رحمه الله تعالى. نسأل الله أن يغفر لنا ولإخواننا المسلمين مغفرة عزما، ولمن سبقنا من العلماء والأئمة الراشدين المجتهدين، الذين أخرجوا لنا الدرر من أحكام الشريعة السمحاء وميزوا لنا بين الحلال والحرام، وبذلوا في ذلك الأموال والأرواح، ودلونا بسبيل الفقه والإرشاد لما ينفعنا في الدنيا وينجينا في الآخرة فجزاهم الله عنا خير الجزاء آمين.
وهذا أوان الشروع في المقصود، نسأل الله تعالى أن يتممه بأحسن تتميم، وأن يحفظنا من الخطإ والتصحيف، إنه ولي التوفيق. لله الأمر من قبل ومن بعد، وإليه ترجع الأمور، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
قال المصنف رحمه الله تعالى:
" بسم الله الرحمن الرحيم ": ابتدأ المصنف كتابه بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز، وعملا بقوله عليه الصلاة والسلام: " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر " وفي رواية: " فهو أقطع " وفي أخرى: " فهو أجذم " ومعناه: ناقص قليل البركة. وذي بال: أي شرف وقدر وعظمة، أو ذي حال يهتم به. وقد بدأ المصنف بالبسملة لأن التصنيف من الأمور المهمة التي ينبغي تقديمها عليه، ولقول عكرمة: إنها أول ما كتب القلم في اللوح، فجعلها الله تعالى أمانا للخلق ما داموا عليها. والابتداء ببسم الله الرحمن الرحيم ابتداء حقيقي، وأما
الابتداء بالحمد لله بعد البسملة فهو ابتداء إضافي، إذ المقصود بالحمد الثناء على الله تعالى، والبسملة من أبلغه، ولدا قال بعض المحققين: ينبغي الجمع بين حديث البسملة وحديث التحميد بحمل حديث البسملة على الابتداء الحقيقي، وهو أن يتقدم ما ابتدأ به أمام المقصود ولم يسبه شيء، وحمل حديث التحميد على الابتداء الإضافي، وهو أن يتقدم ما ابتدأ به أمام المقصود وإن سبقه