البغدادي كان مالكي المذهب، أي مقتديا به في الأحكام الدينية والشرعية.
والمراد بالمذهب: القواعد التي بنى عليها الأحكام وذهب عليها أصحابه، وكيف لا وهو إمام الأئمة ومصباح السنة، ومن خير القرون وخير الأمة التي أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر.
وكان أبوه وجده تابعين. وأما والد جده فصحابي. والإمام من تابع التابعين. وهو إمام الأئمة أبو عبد الله مالك بن
أنس، بن مالك، بن أبي عامر الأصبحي. مولود بالمدينة المنورة، وقيل ولد بذي المروة موضع من مساجد تبوك سنة 93 ثلاث وتسعين من الهجرة. وهو إمام الأئمة في التحقيق، وناصر السنة بالتدقيق.
ومما يدل على عظمة الإمام مالك ومزيد فضله أن ابن هرمز من شيوخه، وقال فيه: مالك أعلم الناس. وقال فيه ابن عيينة: مالك سيد المسلمين. وكان الأوزاعي يقول فيه: مالك عالم العلماء، وعالم أهل المدينة، ومفتي الحرمين.
وقال الشافعي: مالك أستاذي وعنه أخذت العلم، ومالك معلمي وما أحد أمن علي من مالك، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله. ويكفيك شهادة هؤلاء الأئمة في بيان فضله. وقد ذكر العلماء في مناقب مالك ما يطول لنا ذكره هنا من غزارة علمه وديانته وأمانته، وثقته وانتقاده الرجال في أخذ الحديث، واتباعه للسنة وورعه وتعظيمه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأدبه مع الله، وخشيته حلمه ووقاره، وعبادته وجودة عقله، وحفظه للحديث، وإدراكه وصفته، وذكر نسبه وبنيه وابتداء طلبه العلم وصبره عليه، وعدد مشايخه وتلاميذه، وأدبه معهم ومع مشايخه، وظهور هيبته مع الناس، وعدد تآليفه، واقتداء الأكابر به في حياته وبعد مماته، وشهادة أهل العلم والصلاح له بالأمانة والصدق والثبات في الأمور، وغير ذلك من سيرته مما لا يحمله هذا الشرح. ولا نطيل بذكره لشهرة ذلك في كتب الأئمة والتواريخ، فراجعها إن شئت.