المكروهة تنفي الكراهة إذا فقد غيره، وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: " ويكره الوضوء بالمستعمل، ويسير حلته نجاسة لم تغيره، وسؤر ما لا يتوقى النجاسة " اعلم أن الماء الذي يكره التطهير به مع وجود غيره كثير، منه ما ذكره المصنف وهو الماء المستعمل في رفع الحدث كما تقدم، ومنه الماء اليسير وهو ما كان قدر آنية الغسل للمغتسل أو آنية الوضوء للمتوضئ إذا حلت فيه نجاسة ولم تغيره فإنه يكره التطهير به مع وجود غيره. وما في رسالة القيرواني من قوله رحمه الله: وقليل الماء ينجسه قليل النجاسة وإن لم تغيره ضعيف.
ولا غرابة في ضعفه وإن كان هو قول ابن القاسم اهـ. الدردير، مع طرف من حاشية الصاوي عليه، ومنه - أي الماء المكروه - سؤر ما لا يتوقى النجاسة كجلالة إذا كان الماء قليلا دون الكثير، ومن الماء المكروه الذي ولغ فيه كلب أو كلاب، وندب إراقته وغسل الإناء سبعا بدون تتريب، ومن المكروه أيضا الماء المشمس الساخن من حرارة الشمس، خصوصا في القطر الحار، وذلك إذا كان في
أواني النحاس وإلا فلا كراهة فيه، ويكره الاغتسال في الماء الراكد إن لم يكن له مادة، أو كان كالبحر فلا يكره حينئذ، ومن المكروه ماء بئر أو صهريج مات فيه حيوان بري له دم سائل، لا كعقرب، ولا بحري كسمك، ولا كراهة في مثل هاتين.
وكل هذا ما لم يتغير الماء تغيرا فاحشا، فإن تغير طعمه أو لونه أو ريحه بذلك تغيرا فاحشا فلا يجوز استعماله في شيء من العبادات ولا في شيء من العادات.
قال المصنف رحمه الله: " لا ما أفضلته البهائم " البهائم جمع بهيمة وهي الدابة، وإن كانت البهيمة تخصص بالخيل والحمير والبغال، كما أن الأنعام تخصص بالإبل والبقر والغنم، وإلا أن هنا المراد العموم. يعني أنه لا يكره استعمال الماء الذي شربته البهائم وبقي منه شيء سواه في الإناء أو في البحر أو غيرهما، بل الباقي بعد شربها طاهر طهور، يجوز