يعين تقدَّم أن جملة شروط الحدَّ الاعتراف بمعنى الإقرار، وهو أوْلَى من الشهود. قال ابن جزي في القوانين: فأمَّا الاعتراف من العاقل البالغ فيوجب الحدَّ ولو مرّة واحدة، فإن رجع عن اعترافه إلى شبهة لم يحدّ، وإن رجع لغير شبهة فقولان، وإن رجع بعد ابتداء الحدَّ وقبل تمامه قُبِلَ منه في المشهور. وأمَّا الشهادة فأربعة رجال عدول يشهدون مجتمعين لا تراخ بين أوقات إقامتهم الشهادة على معاينة الزَّنا كالمرود في المكحلة، فإن كانوا أقلّ من أربعة لم يحدَّ المشهود عليه. وحدَّ الشهود حدَّ القذف، وإن رجع بعض الأربعة قبل الحُكْم أو شكَّ في شهادته بعد أدائها حُدّ الأربعة، وإن رجع أو شكَّ بعد الحُكْمِ حدَّ الراجع أو الشّاك وحده، وإن شهد ثلاثة وتوقَّف الرابع حُدّ الثلاثة دون الرابع، وإن شهدوا مفترقين في مجالس حدّوا، خلافًا لابن الماجشون. وأمَّا الحَمْل فإن ظهر بحرّة أو بأمضة ولا يثعْلَم لها زوج ولا أقرّ سيدها بوَطْئِها وتكون الحرّة مقيمة غير غريبة فتحدُّ، خلافًا للشافعي وأبي حنيفة في قولهما: لا حدَّ بالحَمْل اهـ. قال في المدوَّنة: إن ظهر بامرأة حمل ولم تَقُمْ بيَّنة بالنكاح حُدَّت. قال اللخمي: تُحَشدُّ إن لم تكن ذات زوج وسيد ولا [3/ 130/]
* * *
شبهة ولم تكن طارئة. وفيها أيضًا في رجل وُجِدّ مع امراة في بيت فشهد أبوها ,اخوها أنّ الأب زوَّجها إيّاه فلا يُقْبَل ذلك ويُعاقبان، وإن ثبت الوَطءء حدّا اهـ. هذا لعدم صحة الخلوة الشرعية، وهو معنى قوله: أو ظهور حَمل خلوةٍ. قال خليل: ولم يُقْبَل دعواها الغصب بلا قرينة، وكذلك لا يُقْبَل دعواها أنّ هذا الحمل من مَنيًّ شربه فَرْجُها في حمام، ولا من وَطْء جنّي، وأمَّا دعواها الوَطْ بشبهة أو غلط وهي نائمة فتُقْبَل؛ لأنّ هذا يقع كثيرًا، وتُقْبَل دعواها أيضًا إذا تعلقت بالمدَّعى عليه واستغاثتها عند النازلة فلا تُحدُّ اهـ. الدردير.
قال رحمه الله تعالىوَيُقِيمُهُ السَّيَدُ عَلَى أَرِقَائِهِ إِنْ ثَبَتَ بِبَيَّنَةٍ أو اعْتِرَافٍ لاَ بِمُجَرَّد عِلْمِهِ أَوْ كَوْنِهَا زَوجْةَ حُر أَوْ مَمْلُوكَةَ غَيْرٍ" يعني كما في الرسالة: ويقيم الرَجل على عَبْدِهِ وأمَتِه حدَّ الزنا إذا ظهر حَمْلٌ، أو قامت بَيَّنَةٌ غيرهُ أربعة شهداء، أو كان إقرار، ولكن إن كان للأمة زوج حر أو عبد لغيره فلا يقيم الحدَّ عليها إلاَّ شروط: وهي ظهور حَمْلٍ أو قامت البيَّنة عادلة أو اعتراف بالزنا على نفسيهما ولم يرجعا، فيجوز لسيَّدهما حينئذ إقامة الحدَّ عليهما. ومثل حدَّ الزَّنا حدُّ الشُّرْب والقذف، لكن يطلب أن يحضر السيد لجَلْدِه في الخمر والفرية رجلَيْن، وفي الزَّنا أربعة رجال عدول. وأمَّا حدُ السرقة فلا يجوز للسيد إقامته عليه، وإنَّما يقيمه الإمام أو نائبه، فإن تولاّه السيد وقَطَعَ يده مثلاً وكانت البيَّنة عادلة وأصاب وَجْهَ القطع أدَّبه الإمام؛ لتقدمِه عليه في ذلك. وما تقدم من أنه جوَّز له إقامة الحَّد للسيد مشروط بعدم الزوج للأمة لقوله: ولكن إن كان للأمَة زوج حرٌّ أو عَبْدٌ لغيره فلا يقيم الحدَّ عليها حينئذِ إلاَّ السلطان أو نائبه، لأن للزوج حقًا في الفراش، وما يحدث فيه من ولد فليس لسيد الأمة أن يفسده، ولا يدخل عليه فيه ضَرَرًا إلاَّ بِحُكْم، بخلاف العبد وذلك فيه جائز لعدم الضرورة. فالحاصل أن السيد إنَّما يقيم حدّ الزَّنا على عَبْدِه إذا كان خاليًا من زوج، أو كان متوجاً بمِلْك سيَّده. وما أحسن قول خليل: وإقامة الحاكم والسيد إن لم يتزوج بغير مِلْكه. والدليل عىل ذلك خبر: إذا زَنَتْ أمَة أحدكم فتبيَّن زِناها فلْيَحِدَّها وفي أبي داود عن عليَّ