قال رحمه الله تعالى: "والظاهر أن لفظ الحُبُسِ كَالْوَقْفِ" وتقدم أو الكتاب أن الوقف في بعض النسخ يعبر بالحُبُس كما هو غالب عبارات المدوَّنة، ولا خلاف في ذلك بين أهل اللغة، على أن الحُبُس هو الوق. قال في المصباح: وحبسته بمعنى وقفته، فهو حبيس والجمع حُبُس اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "ومقتضى لفظ الصدقة تمليك الرقبة إلا أن يُريدَ التَّحْبِيسَ" فالمعنى أن مقتضى لفظ الصدقة تمليك ذات الشيئ المتصدق به إلا أن يريد المتصدق بلفظ الصدقة التحبيس فيكون حينئذ بمعنى الوقف فيصير حُكْمُها حُكْمَ الوقف. وهو تمليك منفعة الذات دون الرقبة، أمَّا إذا لم يَرِدْ بلفظ الصَّدَقة شيئًا فتحمل على عطية الرقبة، وهي الذات المتصدق بها.
قال رحمه الله تعالى: "فلا يجوز بيعه ولا شيئ من نقضه ويلزم هادمه إعادته على صفته، ولا يجوز تغييره" يعني أن الوقف لا يجوز بيعه ولا بيع شيئ من نقضه ولا تغيير صفته ومن هدمه يلزمه إعادته كهيئته. قال خليل: ومن هدم وقفًا فعليه إعادته. قال الخرشي: يعني أن من تعدّى على حُبُس وهدمه فإنه يلزمه إعادته على حالته التي كان عليها قبل الهدم، ولا يجوز أخذ القيمة لأنه كبيعه، لكن من المعلوم أنه لا يلزم من أخذ القيمة في الشيئ جواز بيعه، ككلب الصيد وجلد الأضحية وغير ذلك فالمذهب هنا لزوم القيمة في الوقف إذا أُتْلِفَ كما قال ابن عرفة؛ ظاهر المدوَّنة أن الواجب في الهدم القيمة مِلْكًا أو وَقْفًا مطلقًا اهـ. وما تقدَّم من عدم جواز البيع وهو كذلك وللفقهاء في ذلك تفصيل فراجِعْه في كُتُبِهم. وقد عَقَدَ ابن جزي في القوانين فصلاً فقال: والأحباس بالنظر إلى بَيْعِها على ثلاثة [80] [81] أقسام: أحدها المساجد، فلا يحل بيعها أصلاً بإجماع. الثاني العقار، لا يجوز بيعه إلا أن يكون مسجدًا تحيط به دور محبسة فلا بأس أن يشتري منها ليوسع به. والطريق كالمسجد في ذلك. وقيل إن ذلك في مساجد الأمصار لا في